ويذكِّرني اعتدادُه بكتب التراجم في هذا الشأن، ما ذكرته في كتابي (حياة الرافعي) عن استمداده منها أكثر ما كان يكتب لقراء الرسالة من قصص لم ينسج على منوالها كاتب من قبله ولا من بعده؛ فكأن هذه الكتب كانت عوناً كبيراً له على ما أبدع في الأدب بنوعيه: الإنشائي والوصفي
لست أشك في أن طريقة الرافعي هذه كانت ذات فائدة كبيرة، ولكنها كانت حقيقة بأن تكون أكثر جدوى وفائدة لو أن هذه الملخصات والفهارس التي صنعها ليستعين بها كانت على غير النظام الذي وضع، ليمكن انتفاع غيره بها؛ فلو أنه عني بأن تكون تلك الفهارس كاملة وعامة، لكان بذلك قد كمل نقصاً في تلك الكتب التي أخذ عنها وزادها فائدة ولكنه - رحمه الله - لم يكن له غاية من صنع هذه الفهارس إلا الاستعانة بها على الجمع لكتابه، فبلغت به ما أراد، ثم بطل عملها!
وقد يسأل سائل: كيف تهيأ للرافعي الزمن الذي قرأ فيه تلك الكتب التي أخذ عنها ولخصها، ثم ألف منها كتابه؟
وهو سؤال لا أجد جوابه، على أنه مما يزيدني دهشة أن الرافعي قد بدأ يعد لكتابه تاريخ آداب العرب في سنة ١٩٠٩ وفرغ منه - بأجزائه الثلاثة - في سنة ١٩١١؛ فأنظر ما عسى أن تتسع له سنتان من عمر فتى لم يتجاوز الثلاثين وهو أب وزوج وله عمل في الحكومة يشغل نصف نهاره؟
وقد قال لي قائل مرة وقد جاء ذكر الجزء الأول من تاريخ آداب العرب: إنه كتاب يتحدث عن كل شئ إلا عن آداب العرب!
قلت: قد يكون ذلك رأيك ورأي طائفة معك، ولكنه على كل حال كتابٌ يغني عن مائة كتاب؛ وأسأل معلِّميك: من ألف في تاريخ آداب العرب قبل الرافعي؟