الموظفين والقائم مقام، وطلب المدعي وهو والحاضرون يصطنعون الجدِّ، فسأله عن دعواه على الحق تعالى، فقال إن دعواه مكتوبة في القصة التي قدمها. فقال القاضي للمدعي بعد أخذ ورد قليل: هل تسقط دعواك يا شيخ إذا أُعطيت من مال الله خمس ليرات عثمانية وكيس طحين؟ قال: أفعل. قال: القاضي أنا سائلك سؤالاً تجيبني عليه بصراحة.
فقال: الأمر لسيدي. فقال القاضي: جاء هذه البلدة قضاة كثيرون قبلي فَلِمَ لم تتقدم إليهم بهذه الشكوى لينصفوك ممن تدعي عليه سبحانه وتعالى؟ فقال: لم يكن القضاة الذين يقدمون لتولي القضاء في بلدنا مثلك، كانوا يخافون منه. فصفق الحاضرون تصفيقاً شديداً استحساناً لهذا الجواب. وربما قال القاضي في سره والله لصادق؛ فأنا أعلم من نفسي أن معظم القضاة لعهدنا لا يخافون الله، هم لصوص على رؤوسهم عمائم بيضاء، وإن طعامهم ولباسهم من أموال اليتامى والأيامى. وهكذا كان هذا القاضي يقول لزوجته مفاخراً، وما أشك أنه من قضاة النار. . .
هزل مصر
ومنها من فصل عنوانه (هزل مصر):
. . . في مصر اليوم عدة جماعات ومجتمعات تظفر في بعض حواشيها بأفراد ممتازين يختلفون إلى المقاهي ويزهدون في الاجتماع في بيوتهم، وكذلك الحال في بلاد الشام، وكانت فيها الأندية الخاصة أو (البعاكيك) في كل حيّ من أحياء المدن والقرى الكبيرة. ولي جماعة في بار اللواء أمام إدارة جريدة الأهرام بالقاهرة، وهم بقايا صالحة من أرباب الثقافة العالية والوطنية الحقة الصامتة، ومنهم صديقي القديم الأمير محمد بك علي المهندس، وقد وقع لي، وأنا أسير معه في بعض الشوارع، وأمه سودانية وهو أسود البشرة محمود الصفات خدم السياسة المصرية بما يخدمها به الرجل الشريف أعواماً طويلة وما طلب على عمله لوطنه مكافأة ولا طمع في مظهر من المظاهر التي يطمع فيها المتجرون بالوطنية
وقع لي أن لاقيت على الجادة صديقاً لي آخر اسمه صالح أفندي السوداني وهو أسود أيضاً بلون محمد بك علي، وهو من أرباب الأقلام ومن المخلصين في خدمة مصر فقلت لهما: خطرت ببالي الآن قصة وقعت لي في بلدي وأنا في صدر الشباب، كان لنا جار وهو أخي من الرضاع اسمه رشيد الهبل من أبناء البيوتات القديمة وقد خلف له أهله ثروة جيدة،