للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عند النصوص من غير مراعاة لروحها وظروف أحوالها والعوامل التي أثرت فيها، تنتظر منها كذلك أن تبين بالعمل لا بالقول أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان حتى ينخلع من أذهان الواهمين ما اعتقدوه من تنافر الدين مع ألوان الحضارة ومجافاته أساليب الرقي العلمي والفكري

إن الأمة تضع الأزهر في مكان القيادة منها، أو هي ترجو ذلك فيه؛ فليعرف هذه المنزلة وليحرص عليها، وليعمل على الاحتفاظ بها، ولا يمتعض رجاله من كلمة الحق تقال في صراحة سافرة على منبر عام أو خاص، فإنها إنما بإخلاص لمصلحة الأزهر وخيره، والإبقاء على منزلته ومكانته

إن النفور من دعوة الإصلاح، والهرب من مواجهة العلل وإغماض العين ولوى العنق سياسة غير صالحة في هذا العصر، وإنه لا يكفي أن تقنع في نفسك بأنك خير الناس ليعتقد الناس فيك هذا، ولكن يجب أن تبرهن لهم عملياً على ذلك وتشعرهم بأنك تحس بإحساسهم وتفكر في حل مشكلاتهم، ولعلنا ننتفع بما أرشد إليه أستاذنا الأكبر في خطابه الأخير من قوله: (إني أرحب بالنقد البريء، وأنصح لكم ألا تضيق به صدوركم، فإن كان حقاً فاشكروا الناقد وأعملوا على الخلاص من الخصال التي كانت سبب النقد، وإن كان غير حق فادفعوه بالحسنى وأظهروا براءتكم مما وجه إليكم)

لقد كان للأزهر فيما مضى موقف سلبي فيما يتصل بتنظيم الفقه وتحويره وتعديله للانتفاع به في القانون والتشريع؛ ومازال هذا الموقف السلبي وصمة في تاريخ الأزهر، تغمض العين منها على قذى موجع، وتنطوي الأحشاء منها على ألم ممض؛ ولقد كان من أثر هذا الموقف المعيب الذي حرص أصحابه عليه (تورعاً) فيما زعموه أو فيما زعم لهم بعض الناس، أن تحاكم المسلمون إلى غير شريعتهم، وألزموا بغير قوانينهم، وهو ما نأسف له جميعاً؛ فهل يكون موقف العلماء اليوم كموقف أسلافهم بالأمس؟ أو هم مستعدون لإصلاح هذا الخطأ وإقناع الناس بأن الشريعة الإسلامية السمحة غير عاجزة عن مسايرة المدنية في أجلى مظاهرها، وإدراك غاية الإصلاح الاجتماعي وتلبية حاجاته ومطالبه، فيصدروا في فقههم عن هذه الروح التي لا تغفل ما جدّ للناس من نظم ومعاملات؟

إن اليوم الذي يخرج فيه العلماء للناس بهذه الفقه النافع لهو النصر الذي يتمناه المسلمون

<<  <  ج:
ص:  >  >>