إن هذا التراث الذي خلفه الرافعي للأدب العربي، قد جعله الله أمانة بين يدي (سعيد) فهو يؤدي اليوم إلى الناس هذه الأمانة وافية كاملة لم ينتقص منها شئ - إلا شيئاً يعجزه أن يهتدي إليه أو يقع عليه، وغداً يجد الناس بين أيديهم كل ما كتبه الرافعي حاضراً لم يضيع شئ منه وكذلك يجد من يريد سبيله إلى معرفة الرافعي من قريب وتقديره والحكم إما له وإما عليه
مصر المريضة
ألقى الدكتور عبد الواحد الوكيل بك، أستاذ علم الصحة بكلية الطب، في المؤتمر الحادي عشر للمجمع المصري للثقافة العلمي - محاضرة هي تصوير للآلام التي تعانيها الصحة في مصر، وتمثيل للحقائق المؤلمة المخيفة التي تعمل عملها في هدم البناء الصحي للأبدان المصرية. وقد نشر صديقي الأستاذ (فؤاد صروف) قسماً من هذه المحاضرة في مقتطف مايو سنة ١٩٤٠، فأخذتها وقرأتها وأنا أرجف بالرعب والفزع لما مثل لعيني من تلك الحقائق البشعة الشنيعة، وهي على بشاعتها وشناعتها متفشية منتشرة تغزو مصر من جميع نواحيها غزواً مهلكاً مبيراً، ثم لا تجد من يرده عنها من الجنود المجندة المقالة التي هي كل صناعة الطب وأسباب صناعته
لقد عمد الدكتور الوكيل إلى الإحصاء الصحي في مصر، فبان منه أن البلاد إذا لم تتدارك أمر الصحة بأوثق العزم وأحكم التدبير وأسرع العمل، فسوف تنتهي إلى فناء محقق يأكل القوة المصرية كما تأكل النار يبس الهشيم. ونحن في فاتحة عصر رهيب قد بدأ بالحرب المجتاحة، تأتي معها الأوبئة والأمراض وتجر في أذيالها أوبئة أخرى وقحطاً ومجاعة - إلا أن يشاء الله - والعالم كله يخشى ويتأهب ويستعد، فهل عمدتْ مصر إلى جعل الوقاية الصحية تدبيراً ممتداً مع أسوأ الفروض التي يمكن أن توحي بفرضها أوهامنا ومخاوفنا وتشاؤمنا من الأيام المحاربة والأيام التي تلْقي عن عواتقها أوزار الحرب بعد أن تأكل القوة بعضها بعضاً في ميادين البغي والقتال؟
يقول الدكتور الوكيل:(ونحن إذا رجعنا إلى نسبة الوفيات العامة سنة ١٩٣٧ في مصر وثلاثين دولة أخرى في مختلف القارّات متدرجين من الأسوأ إلى الأفضل، اتضح لنا أن مصر في رأس هذه القائمة؛ ومن هذه البلدان: الهند واليونان وبلغاريا وفلسطين). . . لا،