للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فيها حتى الآن المعارك الحامية والإنسحابات القاهرة فكيف تراعي في مثل تلك الأيام التاريخية الحرجة حين انسحبت جنودنا من شارلروا أمام الزحف الألماني ووقت أن هجم الألمان على باريس وبلغوا كمبيان وسان كنتن؟ لقد خبر جيشنا الساعات المشؤومة التي كانت تهدد فرنسا بالهوان ولكن تنظيمه العجيب كان يفوق كل ارتباك وتشويش. إن تقهقر الجيش يعني وقوع ألوف من الأسرى ومئات من المدافع في حوزة العدو، إخلاء مراكز للمدفعيات والطيارات، إهمال المستشفيات والنقالات، وأخيراً ترك كل شئ أمام العدو المطارد. ومع ذلك كان جنودنا الذين شهدوا مثل هذه المآسي يعلمون جيداً أن وراءهم مدافع جديدة جاهزة بدل المفقودة وكميات هائلة من الذخائر والمؤن عوض المتروكة

وقد أطروا كثيراً التنظيم الألماني وأركان الحرب الألماني، ولكن ذلك كان فوق الواقع. ولماذا لا يحق لنا أن نعجب بالتنظيم الفرنسي الذي برهن في أشد المواقف حرجاً على دراية وحسن إدارة نادرتين؟

ومن مهام أركان الجيش تعهد طرق المواصلات والعناية بأسرى الحرب من جنود ومدنيين. أما المهمات الكبرى، فهي تموين الجيش وكفى بها عبئاً ثقيلاً يقتضي الجهد الكبير والعمل المتواصل، فإن تموين خمسة أو ستة ملايين رجل منتشرين في مئات من الكيلومترات لمن أشق الأمور وأعقدها

وقد تستعظم المهمات المذكورة مع أننا لم نأت إلا على شئ منها ولم نذكر إلا بعض ما يفرض على أركان الجيش من الواجبات.

من السهل أن نطلع على ما يقال ويجري عندنا وما تصدره أرضنا وتخرجه مصانعنا، ولكن علينا في زمن الحرب أن نعرف أيضاً ما يقال ويجري عند الآخرين من أعداء ومحايدين وما تغله أرضهم وما تنتجه مصانعهم، فكل حركة حربية يتوقف نجاحها غالباً على معرفة الحالة الاقتصادية والمعنوية في بلاد العدو. من ذلك أن الهجومين الظافرين على بلغاريا وتركيا في الحرب الماضية لم يفلحا لولا التعليمات التي تلقتها من أركان الجيش، ومنها عرف أن ليس في طاقة الجيش البلغاري أن يواجه حملة عنيفة، وأن الشعب البلغاري قد سئم الحرب.

وعلى مكتب أركان الجيش أن يقدم تعليمات دقيقة عن الحالات المعنوية والاقتصادية

<<  <  ج:
ص:  >  >>