فأر. ولم تكن لتناسب الظرف لو أن الرسالة وردت بعد حدوث القتل، أو وردت قبله بزمن طويل
وفي يوم الخميس ١١ يونية الساعة ٢ مساء ورد الخبر إلى باريس ولم يطللع ريشيه على تفاصيله إلا يوم الجمعة.
تلك هي الرسالة وظروفها. والطريقة التي أخذت بها تعد أبسط تجربة روحية. وهي أن تجلس عدد من الأصدقاء أو الأقارب حول منضدة: ويكون بينهم وسيط، ثم يضعوا أيديهم على المنضدة بخفة، فتسمع على المنضدة طرقات لا شأن لأي واحد من الحاضرين بأحداثها. عندئذ تتلى الحروف الأبجدية فتسمع طرقة عند النطق بكل حرف ما عدا الحرف المراد إملاؤه، فيدون، وبعد الانتهاء تقسم الحروف إلى كلمات.
كيف نعلل حدوث هذا الطرق على المائدة؟ أقرب تعليل له هو أن الوسيط يحدثه بطريقة شعوذية لا يتبينها الحاضرون. ولكن لو سلمنا بأن الوسيط هو الذي يحدثه عمد، كيف نعلل ورود رسالة كهذه التي ذكرناها؟ كيف علم الوسيط بوجود المؤامرة لاغتيال الأسرة المقتولة وحلول وقت التنفيذ؟ إن سر هذه المؤامرة كان بطبيعة الحال مصونا أشد صيانة، ولولا ذلك لحبطت، فبعيد أن يكون الوسيط على علم بها وهو في باريس.
يعلل لدج هذه الظاهرة بأن واحداً ممن ماتوا وكانوا يشاركونه هو وريشية بحوثهما قد انتهز هذه الفرصة ليضع أمام ريشيه دليلا على الاتصال الروحي.
أما ريشيه فمع اعتقاده بانتفاء الشعوذة من هذه المشاهدة ومثلها بالنسبة لما يتخذه من التحوطات، لا يذهب في تفسيرها فذهب لدج بل يعزوها إلى انتقال الفكرة من عقول القتلة في هذه الحالة إلى عقل الوسيط بطريق التلباثي، ثم طرق المائدة بقوة مستمدة من العقل الباطن للوسيط.
ريشيه يرى وجوب البحث الجدي في تلك الظواهر، وجمع المشاهدات ووصفها بدقة علمية، ولكنه لا يرى التعجيل بنسبتها إلى مصدر روحي ولدج يرى أن مشاهداته الخاصة قد تركته على تمام اليقين من وجود المصدر الروحي. أما الذي لا خلاف بينهما عليه، فهو أن هناك ظواهر نفسية وآلية شاذة غريبة تتطلب جيوشا من الباحثين.