صندوق (خضراء) وتدسه في طي من أطواء ثيابها، فذهبت المرأة ومازالت (بخضراء) تستصلحها وتعتذر إليها حتى استلت ضغينة قلبها، ثم سألتها أن تأتيها (بالعيش والملح) لتصيب كلتاهما منه وتتحرم بحرمته، فلما نهضت تأتيها أسرعت الخبيثة إلى الصندوق فدست المنديل في أبعد مواضعه وأخفاها، وكان مندى بالعطر لينم على نفسه إذا لم ينم أحد عليه؛ ثم رجعت بما فعلت إلى الشاب فأطلق خادمه يهمس لبعض أصدقاء الجمل أنه رأى اليوم في يد (خضراء) ديناراً ذهباً على ندرة الذهب وعزته، فجعل هذا الدينار يطير من نفس إلى نفس بقوة الذهب الذي فيه والحب الذي أعطاه والجمال الذي أخذه، ثم انتهى إلى الجمل فكأنما حمله وطار به إلى داره كالمجنون، وقد حمى دمه الحر وجاش جأشه العنيف، ولم تكن امرأته في الدار، فنثر ما في الصندوق وما كادت تفعمه رائحة العطر حتى نفخ الشيطان به نفخة الغضب الكافر، ثم عثر على المنديل ورأى بصيص الدينار فدارت به الأرض وأيقن أن العار قد طرق بابه وأن الباب قد فتح له؛ ثم رد نفسه على مكروهها ورد معها كل شئ إلى موضعه، وتلفف رأيه على جريمتين وخرج وروحه تصرخ من ضربة بمنديل وهو الذي كانت تتهاوى عليه الضربات القاتلة تهشم منه ولا يتأوه
وذكر أن (حماته) أثنت من عهد قريب على أبن العمدة ووصفته بالرقة والغنى، فوجه إليها أن تأتي فتبيت عند امرأته لأنه على سفر، وكان كالأعمى في ضلالته لا يرى الأشياء إلا كما يتخيلها في نفسه دون ما هي في نفسها، فسألته زوجته: أين أزمعت وما تبغي من سفرك وكم تلبث عنا؟ فكأنه سمعها تقول: ارحل إلى مكان بعيد وغب عنا زمناً طويلاً فبنا إلى غيابك حاجة شديدة، وكاد يبطش بها ولكنه كاتم صدره اللوعة وذكر اسم جهة بعيدة ومضى ولانكسار يعرف فيه
فزع الناس بعد أيام في جوف الليل فإذا بيت الجمل يحترق من أرضه وسمائه واقتحموه فإذا المرأة وأمها فحمتان، وانطلقت أسرار الألسنة وقبض على الرجل في بلدة أخرى، وتولى ابن العمدة توجيه البينة عليه، وشهد الشهود على الدينار، وشهد الدينار على النار، وأنكر (الجمل) ولم يقصر في إقامة الحجة، ودافع عن امرأته وبالغ في أمانتها وعفتها، وشهد أنه لا يعلم عليها من سوء وأنها أطهر النساء وأبرهن، ثم كان الحكم أن قضى عليه بالموت شنقاً