قال (إبليس): لقد تأملت القصة فرأيت أنه لا سبيل لك إلى الفتاة؛ فإذا هو وصل إلى امرأته قطعت أنت بهذه الخطوة نصف الطريق إليها. . . وستبلو هي من غلظته وخشونة طبعه ما يسهل لك أن تعلمها قيمة ظرفك ورقتك؛ وستجد من سوء معاملته وقبح تسلطه ما يفتح قلبها لمن يأتيها من قِبل الرفق واللين؛ وستصيب عنده من ضيق المعيشة وقلتها ويبسها ما يُفهمها معنى العيش الحلو الخضر الذي تعرضه عليها ثم أنه لابد مبتليها بغيرته العمياء بعد ما عرف من حبك إياها، والغيرة منك هي توجد بينهما دائماً ويتنبه المرأة إليك كلما كرهت من رجلها شيئاً لا ترضاه
ولم تكن إلا مدة يسيرة، حتى أهديت المرأة إلى زوجها، وإنما تعجل الزفاف ليأتي له أن ينصب يده القوية حجاباً بينهما وبين هذا المفتون، وليكتسب من القانون حقاً لم يكن من قبل إذا هو مد هذه اليد وعصر في قبضتها تلك الرقبة التي تتطلع إلى امرأته، ورأى الشاب أن هذه الحال لا تعتدل به وبخصمه معاً، وكانت الغيرة تأكل من قلبه أكلاً، وكان يعرض للمرأة كلما خرجت بمكتلها إلى السوق أو بجرتها إلى الماء، لأنه حينئذ يكون في الطريق الذي لا يملكه أحد. . . فكانت إذا رأته لم تزد على ما يكون منها إذا هي أبصرت حماراً يمد عينه إليها. فعمد إلى امرأة مغنية تزف العرائس، وهي التي زفت (الخضراء)، فأكرمها وأتحفها وسألها أن تسعفه ببعض ما تحتال به، وأن تكون سبيله إلى المرأة؛ وتحمل عليها (بإبليسه) حتى استوثق منها، فكانت تتحدث عنه أمام (خضراء)، وتستجرّ بذلك أن تلفتها إلى نعمته وجماله، ولكن المرأة أغلظت لها وسبتها وحذرتها أن تعود إلى مثل كلامها، قالت لها آخر ما قالت: وأعلمي أنني لو دُفعت إلى طريقين، وكان لابد من أحدهما، ثم كان أحدهما، حصاه الدنانير وهو الطريق العار، الآخر حصباؤه الجمر، ويفضي إلى الشرف إذن لتنزهت أن أدنس نعلي بالذهب ولنثرت لحم قدمي على الجمر نثراً.
وأما الحب فلا يبقى حباً أبداً، فإما فاز فبرد ورجع سلواً، وإما خاب فاضطرم وتحول إلى حقد ونقمة؛ وكذلك انفجر الشاب غيظاً، ووجد على الخيبة موجدة شديدة، وأخذ يدير رأيه، ففتقت له الحيلة أن يقتل الرجل الشهم بشهامته، والمرأة العفيفة بعفتها، فواطئ إبليسه على أن يدفع إلى تلك المغنية منديلاً من الحرير - عقد طرفه على دينار من الذهب - تلقيه في