للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منهم إنسان

ولعلهم أول من اخترع من زمرة اللصوص رد الأمانات إلى أصحابها متى استغنوا عنها. . .!

فقد كانوا يأخذون لأنفسهم الورق النفيس ثم يلقون بالمحفظة أو الكيس في صناديق البريد، فيعود ما فيه من المحفوظات إلى أصحابه، ولعله أنفس لديهم من النقود

إلا مرة واحدة - أو مرة واحدة على ما نعلم نحن - أخذوا فيها المحفظة كلها وليس فيها نقود ولا ورق أنفس من النقود

وذاك أن صديقاً لنا أديباً خرج يوماً من عند المصور وفي جيبه محفظة - أو غلاف من الورق على الأصح - فيه أثنتا عشرة صورة شمسية لا تنفع أحداً غيره

قال لنا: سأذهب إلى مكتب البريد القريب فلا شك عندي في رجعتها

ولكنه ذهب وعاود الذهاب والمحفظة الذاهبة لا تعود

فحار في أمر هؤلاء اللصوص، وسأل موظف البريد مرة وقد كان من الظرفاء: (عجبي لهم ما بالهم لا يردون هذه الصور التي لا قيمة لها عندهم وهم يردون الوثائق والسفاتج والأسانيد التي قد تشترى وتباع؟)

قال موظف البريد متظاهراً بالدهشة: (أتقول لا قيمة لها عندهم يا أستاذ؟ كيف هذا؟ إنهم لو وزعوها على زملائهم لأراحوا أنفسهم على الأقل من اثنتي عشرة محاولة أخرى بغير فائدة!

وهذه من طرائف النشالين في الحرب الماضية، ولكن طرائف النشالين خاصة ليست بالتي يستحب فيها التكرار أو التي تؤمن في جميع التجارب. فلا نخال أن أحداً سيتفقدها في الحرب الحاضرة، أو يلوم الحكومة على وقاية المدنيين منها!

بدأت أكتب هذا المقال من وراء الورق الأزرق الذي يحجب السماء وفيه شبه منها

ثم فتحت النافذة فإذا السماء تشاركنا في التجربة من طرفيها فهي كالمدنيين تحجب ضياءها، وهي كالمغيرين ترسل غبارها وحصباءها

قلت: الحمد لله مرة أخرى!

إذا اشتركت السماء في التجربة فلا خوف مما يرسله الفضاء، وعسى أن تمضي التجربة

<<  <  ج:
ص:  >  >>