للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمن الناس من يذكرون الغارات فيبالغون في الحذر والحيطة ويظنون أن الدنيا كلها خطر ذو عيون وأقدام، وأن القنابل تبحث عنهم في كل مكان

ومنهم من يذكرون الغارات فيبالغون في التواكل ويقولون كما يقول المتواكلون في أوربا: إن يكن أسمك مكتوباً على قنبلة فلا فائدة من الوقاية ولا أمل في النجاة

ومنهم قوام بين ذلك لا ينزعجون ولا يهملون، ولكنهم (يعقلون ويتوكلون) أو يحسبون الحساب وهم مطمئنون، لأنهم فرغوا من واجب الاحتراس فلم يبقى إلا واجب الاطمئنان

فالإهمال لا يليق بكرامة الإنسان ولا بالمزايا الآدمية، لأنه أشبه بصفات الحيوان السائم الذي لا يدري ما يضره وما ينفعه ولا يتصرف في مقاومة الحوادث التي تهدده واجتناب الهلاك الذي يفرض عليه اجتنابه

أما المبالغة في الاحتراس والوسواس فهي الجبن الذميم بعينه؛ وليس بين الصفات التي تشين الإنسان اقبح من صفة الجبان

ولقد دلت التجارب في أوربا على فائدة لهذه التجارب غير الفائدة المقصود منها، وهي نقص الجرائم والسرقات في هذه الأوقات خلافاً لما كان مظنوناً في البداية

وعللوا نقص الجرائم والسرقات بأمور كثيرة نشترك في بعضها وتنفرد الأقطار الغربية ببعضها الذي لا نجاريها فيه، والحمد لله مرة أخرى

فمن هذه الأمور كثرة الحراس ورجال الأمن القائمين بالتجربة في الطرقات

ومنها شكوك اللصوص إذ يميزون في أوقات السلم بين البيت النائم والبيت اليقظان ولكنهم يعجزون عن تمييز هذا وذاك متى تساوى الظلام في جميع الأنحاء

ومنها - ولعله أهمها في أوربا وأضعفها عندنا - أن السراق يصعب عليهم الهرب بالسيارات بعد اقتراف الجريمة لتقييد حركة السيارات وتشديد الرقابة عليها

ولا ندري علام تسفر التجربة في بلادنا ولم يبلغ لصوصنا بحمد الله مبلغ اللصوص الموسرين الذين يعتمدون على الهرب في السيارات، ولا يزالون يهربون على الأقدام كما كانوا يهربون قبل ألف عام، في ظلام كان يخيم على الأيقاظ والنيام، في أيام الحرب أو أيام السلام؟

والذاكرون للحرب الماضية في بلادنا لا ينسون حوادث النشالين بالليل والنهار، وقلما سلم

<<  <  ج:
ص:  >  >>