إلى الأبد كتاب الشباب. ولقد قرأته وعمري تسع سنوات فإطار لبي وأذهلني. . .)
وكانوا يقولون: إن لنابليون خيالاً جبارا، وإنه كان يختلق الأقاصيص المرعبة، أقاصيص الجان والشياطين، والمغامرات والبطولات؛ يسمعها رفقاءه في الليل، أو زوجه وأولاده في ليالي الشتاء.
وقد عثر في ثنايا الأوراق التي كتبها في صباه، والتي أودعها بعد واترلو الكاردينال فيش أقاصيص ثلاث نشرت في عام ١٨٩٥ في فلورنسة تحت عنوان (نابليون المجهول) وقد كتبها عام ١٧٨٩ عندما كان ضابطاً في (أوكسون).
أما القصتان الأولى والثانية، فقد قبسهما من التاريخين العربي والإنكليزي. أما الثالثة، فهي من تأليفه، وفيها يصور كورسيكياً شيخاً فر مع ابنة له إلى جزيرة مصخرة تناطحها الأمواج هرباً من ظلم (قوم) ذبحوا أبناءه وذويه.
وتصرمت أعوام. . . وإذا بالعالم البولوني سيزيمون اسكيناري يخرج للناس قصة كتبها نابليون في عام ١٧٩٥ عنوانها (كليسون وأوجيني): لها صفات القصة الوصفية التحليلية وفيها حقيقة يشوبها خيال، وهي أشبه بما يكتبه الأدباء أول عهدهم بالكتابة
كتب نابليون هذه القصة وهو يتخطى الخامسة والعشرين من عمره، أوحاها إليه حبه لفتاة أسمها وهي الفتاة التي عرف بها الحب الأول. وكان قد رآها في مارسيليا، إذ أتي إليها بعد أن ذاع اسمه في حصار (طولون) فأحبها. وكان دقيق العود جميلاً، فألهب خيال هذه الفتاة بعينيه الزرقاوين وشعره الأشقر، وكلامه المتدفق كالماء، اللاهب كالنار؛ وأسكرها بأقاصيصه الحلوة، وأطربها بأشعار أوسيان الذائعة. وتحابا. . .
ولم يطل بقاء نابليون في مارسيليا، فاضطر إلى السفر إلى باريس، تاركاً حبيبته الصغيرة وحدها. وما وطأت قدماه باريس حتى أرسل إليها رسالة فيها الشوق والحب والحنين، ولكن أهلها منعوها من الكتابة إليه. فاضطرب نابليون لصمت الحبيبة الصغيرة، فكتب لها كتاباً يصور لها فيه باريس الفاتنة ليثير شوقها إليها. ولكنها صمتت أيضا فكتب يقول:
(إن الحياة حلم رقيق لا يلبث أن يذوب كالضباب. إنني أشعر وأنا أكتب الآن بهياج في عواطفي ما شعرت بمثله قبل هذا اليوم. ولئن طال هجرها لأقتلن نفسي، ولأرمين بهذا الجسم تحت عجلات العربات. . .)