ثم عاوده الحنين فكتب إليها مرة أخرى، ولكنها لم تحفل به وأعرضت عنه. عندئذ ضاق ذرعاً. . . فكتب لنا قصته هذه، وقص على الناس نبأه ونبأ (أوجيني) الغادرة، وكيف نشأ وترعرع، وكيف أحب وكيف خان الحبيب، وسمى نفسه (كليسون) وحول قليلاً وحور
لقد كتب في قصته:(ولد كليسون للحرب والنزال، وكان يعلم سير القواد وهو ما يزال صبياً، وكان يحب أن يتفقه في فن القتال مذ كان في المدرسة يافعاً، على حين كان رفقاؤه يفتشون عن الفتيات يلهون بهن. فلما قارب السن التي تؤهله للقتال، أقبل على الجندية مسرعاً. فبرع في أمورها، وناداه النصر، فذاع في الشعب اسمه، ونظر إليه الوطن كبطل من أعز أبطاله، ولكن روحه كانت ما تزال ظمأى للنصر والخلود، ولقد كانوا يسمون طموحه كبرياء، وقوة إرادته شدة، وكان ينظر إلى نفسه البكر فيتأمل فيها، فيرى أنه أبعد الناس عن الحب.
فلقد كان له خيال مشبوب، وقلب ملتهب، وعقل راجح، ولكن فكره كان (بارداً) لا يسعفه بالخاطرة البارعة والنادرة والفريدة فدفعه ذلك إلى الملل من دلال الفتيات والابتعاد عن التلطف والتظرف، وعم تزوير الجمل واللعب بالكلمات لينال رضاهن وعطفهن
(وكان يحب أن يشرد في الغابات الخضراء، لا يحفل بالتعب ولا يخشى العناء، ليبتعد عن جنون البشرية وانحطاط أهلها
(وكان يستسلم إلى أمانيه، ويصغي إلى همس فؤاده، فيخلد إلى العزلة، وينظر إلى الليل الحزين الهادئ المزدان بأشعة القمر، ويستمع إلى صوت الطبيعة الخفي، حتى إذا تنفس الصبح، عاد حزيناً سادراً لينال قسطاً من الراحة التي ظمئ لها
(وكان يعجب باختلاف ألوان الطبيعة، يهتز لميلاد النهار، ويطرب لغروب الشمس، ويصفق لأغاريد العصافير، وخرير المياه، ورفيف السهول. وكان ينفق الساعات في تأملاته هذه في أعماق الغاب. . .
(على أن ميوله هذه أفهمته أنه بعيد عن الحرب وفنها، وعن الدمار وأصوله. وكان يخيل إليه أن تهذيب الشعوب وإسعادها خير من قتالها وقتلها. . . ولكنه كان يسعى إلى التخلص من هذه الفكرة التي لم تطرب نفسه لها
(وفي هذه الفترة يلقى كليسون أوجيني مع ترب لها اسمها (إميليا) فعرفهما. وكانت إميليا