للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ألواناً من الصعوبات، وأصنافاً من المشقات، حتى لكأن الله قد أراد له أن تصهره الشدائد، وأن يصقله الحرمان حتى يكون إنساناً آخر في إحساسه المرهف وشعوره النبيل، وعواطفه المتدفقة

وهل تخلو حياة الأدباء من هذا الصراع العنيف بين النور المتدفق الثر، وبين الجهالة الكابية المعتمة؟ وماذا يريدون منك حين يحولون بينك وبين العدل، ويحاولون أن يقصروك على منصب (الأستاذ المعاون) إلا أن يصرفوك عن الدعوة النبيلة التي قدحت شررها، وأثرت نارها، ونشرتها في كل قلب؟!. . .

نحن لم نخلق لهؤلاء البغاث، وسيذهب أولئك الذين يتخذون منقار النسر وجناحه ومخلبه. وستبقى رسالة دمشق الغالية، وسنتحمل الأذى، وسنذوق مرارة الحرمان اليوم، لنبلغ حلاوة الظفر غداً. وثق أنك لست وحدك في هذا الاضطهاد والحرمان، ولكنها سبيل مرسوم، وسهم مسموم، يقذفون به عباد الله الذين لا يستطيعون هز الرؤوس للممالأة! وحتى الظهور للنفاق، وإلا فما تقول يا سيدي وماذا يقول الناس عنا نحن هنا؟ يبعثون بنا إلى القاهرة: أروع بلدان الشرق وأزخرها بالحياة والنشاط لنمثل مدينة من أكرم المدن، وأمة من أنبل الأمم، ثم يبخلون أن يسووا بيننا وبين البعثات الأخرى التي يوفدونها إلى باريس وغير باريس؛ فيقدمون لنا المرتب - والحياء يعقل لساني عن أن أقولها - جزءاً من خمسة أجزاء من مرتب عضو البعثة. . . كأن القاهرة بلد آخر غير باريس. . . وكأن الطلبة يأكلون هناك ويصومون هنا. . . أجل!. . . ولم لا يصومون؟. . . في جوار الأزهر، وعلى مقربة من سيدنا الحسين ليتضاعف ثوابهم، ويجزل أجرهم؟. . .

وأحسب أن الحرمان سيمتد بك وبإخوانك؛ فما يؤذي هؤلاء في الدنيا أكثر من الصراحة والحق. . . ولكنك لن تني عن (رسالتك)، ولن تتخلى عنها. . . وإذا لم تجد في جماعات الوزارة، ورجالات الديوان، من يمتَّ إليك بسبب، أو ينهض معك في حق. . . فتك إرادة الله أن تكون صفحتك في كتاب الحياة بريئة، إلا من نصرته وتأييده. . . لقد اقتحمت الحياة، وصارعت أمواجها طفلاً ليس معك إلا والدتك عليها رحمة الله. . . ولقد حملت أخواتك على كتفيك في هذا الخصم الهائل، وتعرضت لألوان من الشدة ومن النكد، حتى صعدت بهم إلى هذه المنازل السامية التي ينزلونها. . . وأصبحت بين هاتين المرحلتين ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>