ونقرأ له قصيدة في موسيقية عمياء، وإذا بالشاعر، دأبه في نظمه، قد ذوب نفسه وحسه في قصيدته الجميلة، متألماً لتلك الصبية، أو الزهرة التي زواها الدهر لم تسعد من الإشراق باللمح فيقول لها مثلاً:
إليك الكون فاشتفى ... جمال الكون باللمس
خذي الأزهار في كفي ... ك فالأشواك في نفسيِ
ويمضي الشاعر في القصيدة على أروع ما يوحي به الشعور بالألم، إلى أن يقول لها:
عرفت الحب يا حوا ... ء أم ما زال مجهولاً
ألمَّا تحملي قلباً ... على الأشواق مجبولاً
صفيه، صفيه فرحاناً ... ومحزوناً ومخبولاً
وكيف أحسَّ باللوع ... ة عند النظرة الأولى
ومن آدمك المحبو ... ب أو ما صورة الصب
لقد ألهمت والإلهام ... يا حواء في القلب
هو القلب هو الحب ... وما الدنيا لدى الحب
سوى المكشوفة الأسر ... ار والمهتوكة الحجب
هذا وليس في وسعي الآن أن أحيط بكل ما في ديوان الشاعر من قصائد متنوعة الموضوعات. ولكنك أن أجلت طرفك في ليالي الملاح التائه وجدت الشعر بكل ما تضمنته هذه الكلمة من معنى. تقرأ القصيدة فترى القوة تسندها من أي ناحية جئتها، وترى الرقة تبلغ نهايتها حتى تشف عن تلك النفس الهائمة في عوالم الجمال والشعر والخيال. وترى الخواطر والمعاني الدقيقة وقد صبغها الشاعر بصبغة من فنه الرفيع وعبر عنها بأسلوبه الشعر الخاص، حتى لتكاد اللفظة الواحدة بحلاوة جرسها وسحر وقعها في النفس تقول لك: أنا لست كلمة من الكلمات ولكنني نغمة من الأنغام. حتى إذا روّيت نفسك من هذه الشاعرية المتدفقة بأروع الشعر وارقه رفعت عينيك الفياضتين بالنشوة وقد آمنت معي بأن الطبيعة التي قالت للشاعر الفرنسي لامرتين (سر في طرقك، ما أنبه شأنك، إنه رآك) تعود اليوم فتقول مثلا هذا للشاعر العربي المصري علي محمود طه