التي أغرقت السفينة:
رماك في جنبات اليم محترب ... خافي المقاتل عند الروع فرار
نرصدتك مراميه ولو وقعت ... عليه عيناك لم تنقذه أقدار
يدب في مسبح الحيتان منسرباً ... والغور داج وصدر البحر موّار
كدودة الأرض نور الشمس يقتلها ... وكم بها قُتلت في الروض أزهار
وفي هذا البيت الأخير تشبيه بلغ منتهى الجمال والروعة، لم نسمع بمثله قبل الشاعر علي محمود طه
ويذهب الشاعر في فنون القول كل مذهب، واصفاً ذلك الموقف النبيل الرائع، حيث يلقي الربان بقبعته إلى البحر إجلالاً للموت. كل هذا في أبيات تفيض بالشاعرية التي تسري في دم الشاعر إلى أن يقول:
يا عاشق البحر حدث عن مفاتنه ... كم في لياليه للعشاق أسمار
ما ليلة الصيف فيه ما روايتها ... فالصيف خمر وألحان وأشعار
إذا النسائم من آفاقه انحدرت ... وضّو أت من كوى الظلماء أنوار
وأقبلت عاريات من غلائلها ... عرائس من بنات الجن أبكار
شغل الربابنة السارين من قدمٍ ... تجلى بهن عشيات وأسحار
يترعن كأسك من خمر معتقة ... البحر كهف لها والدهر خمار
وأنت عنهن مشغول بجارية ... كأن أجراسها في الأذن قيثار
انظر إلى هذه التورية المحببة في ذكره الجارية:
صوت الحبيبة قد فاضت خوالجها ... ورنحتها من الأشواق أسفار
وبعد هذا يأتي الملاح التائه بأجمل وأعجب ما يوحيه الخيال الخصب إلى شاعر. فيخرج عما ألف الشعراء أن يقولوه من استمطار الرحمة على الميت أو ما مثل ذلك ويطلع علينا بقوله:
نزلتما البحر قبراً حين ضمكما ... رفت عليه من المرجان أشجار
تالله، لا يقرأ المرء هذا دون أن يقف عنده متأملاً مأخوذ اللب بسحر هذا الخيال الشعري. رفت عليه من المرجان أشجار