أين أنت الآن أم أين أنا ... ضربت أيدي الليالي بيننا
غير صوت طاف كالحلم بنا ... اسقنا من خمرة الرين اسقنا
أي حسرة وأي لهفة تجدها في هذا التساؤل الذي تكاد كل لفظة من ألفاظه تقطر بدمعة مذابة من قلب الشاعر الفياض بالحنين والشوق:
أين أنت الآن أم أين أنا؟ ... ضربت أيدي الليالي بيننا
نقرأ هذه القصيدة أو قصيدة (بحيرة كومو) أو (الجندول) فتتمثل في أخيلتنا مفاتن الغرب، وإن لم نرها، من مناظر الطبيعة إلى ليالي الأنس والبهجة، إلى مرح الشباب والصبى، ونحس بتأثير تلك المباهج في تلك الروح الرقيقة وذلك القلب الذي يهيم بحب الجمال أينما كان، في الماء والسماء، في القصور والرياض، في المرأة، سواء كانت سامية أو آرية أو غير هذه وتلك. فالشاعر موكل بالجمال يتبعه، يملأ عينيه ومشاعره وقلبه منه ليتغنى به في كل قصيدة من قصائده
هذا وتجيل الطرف في (ليالي الملاح التائه) هنا وهناك فتقرأ له مثلاً (سيراناد مصرية) أو قصيدته التي عنوانها (هي) أو (حلم ليلة) أو (إلى راقصة) وغير هذا مما في الديوان من الشعر الغزلي، فترى أن المرأة قد شغلت حيزاً كبيراً من قلب الشاعر وفكره وإحساسه فأوحت إليه بأرق الشعر، الحزين حيناً، الباسم حيناً آخر. فالمرأة قد أذاقت الملاح التائه أفانين من حلوها ومرها، وكل هذا يتجلى لنا في شعره الغزليّ
وهناك قصيدته في مصرع ربان حاملة الطائرات كوريجس التي أغرقتها غواصة ألمانية في أوائل الحرب الحالية. يسمع الشاعر بتلك النفس الكبيرة التي آثرت الموت على الحياة. يسمع بما كان من تضحية الكابتن ربان السفينة الغارقة إذ جاد بنفسه. والجواد بالنفس أقصى غاية الجود، فتوحي تلك البطولة النادرة إلى الشاعر بقصيدة من عيون الشعر يبدؤها بقوله مخاطباً الربان:
يا قاهر الموت كم للنفس أسرار ... ذل الحديد لها واستخذت النار
وأشفق البحر منها وهو طاغية ... عات على ضربات الصخر جبار
وكأني بالشاعر هنا يظهر الناس على ضعف الطبيعة مع جبروتها أمام عظمة النفس الإنسانية، تلك العظمة التي تتجلى في تضحيتها وعاطفتها. . . ثم يقول معرضاً بالغواصة