للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اسكتي. فهذا حديث كبار فبسمن جميعاً وعاد يقول:

- نزلنا ولم يبلغ واحد منا وإنما هربنا من فضول الناس. لم ندر كيف، ولم تدر هي كيف أطاعتني. فكلانا ذاهل غائب فتى يقبل فتاة لا تعرفه ولا يعرفها في جمع الناس وعلى عيونهم ثم ينهضان معاً. . . إن هذا لشيء عظيم!

ولبثنا وقوفاً زماناً ثم جمعت بدد ذهني قليلاً حين دار في أذني سبابها خفيفاً حلواً يتندى على فؤادي كحبات الماء على جبين محموم.

وقلت: إنها غلطة يا آنسة وإنها - ولا يد لي فيها - لأحب إلى نفسي من عملي كله

فعبس فمها. . . فمها فقط. . . عبسة أشهد ما رأيت أحلى ولا أروح منها، وعاد سبابها العذب يتوثب حول شفتيها ثم يتسامى إلى قلبي نغماً قصيراً رقيقاً يحمل في وهن رقته قوة فتائه. . . فابتسمت ثريا وقالت:

- مرحى. مرحى. هذا منطق عاشق يسمع بقلبه سباب حبيبه نغماً كحباب الكأس ما تسمو واحدة حتى يعالجها فناؤها الكامن فيها

فأمن على تشبيهها واستطرد عليه يقول: أي والله يا. . . ونسي فأدركته عنان قائلة. . . يا ثريا

- أي والله يا ثريا إنه لكذلك على فؤادي كان يوقظ حنينه ولا يشبعه! ولكنه لم يكن سباباً. أنه - يا آنسة - غضبةُ جمال شق عليه أن يمتهن على أعين الناس

وكانت إفاقتي على حلو سبابها ردة على جمال جديد تجلى على فؤادي من قوامها المعتدل سحرتني وحيرتني فلم أدر أياً أطيل فيه النظر ولا أياً أقصر عنه. . . كانت فتنة مجسدة، وكنت من فمها وحده بين ثلاث متن: أكبرها وأقتلها أنني قبلت هذا الفم وأوسطها أنني نعمت به حين عبس فبدا بشفتيه - العليا على السفلى - كفراشة حمراء قانية بسطت جناحيها الصغيرين ثم نامت على لفة وردة تترشف رحيقها. . . وأنني سحرت حين ترسل على فؤادي منه نغم حبيب. وأهونها - وتلك من عجائب القلب - أنني فزت بعد ذلك برضاه. . . إنه حلو فاتن حين يرضى، وإنه لأحلى وأفتن حين يعبس

فضحكت ثريا وقالت:

- الأمر بيدك. . . اغنم لنفسك الأحلى!

<<  <  ج:
ص:  >  >>