أما الأول فيمر على تلك الأدوار ونفسه تشعر بالضيم، وتنطوي نفسه على ثورة مكتومة. والثاني يتلقى تلك الأخطاء، ويبتلعها بسهولة، ويصل إلى عتبة المستقبل رجلاً عادياً يتميز عن غيره من الناس بقليل من المواهب الكلامية والبيانية وشيء من الحقد على العباقرة وأرباب النبوغ
ونتكلم الآن على مسألة (الحب) لما لها من الأهمية البالغة في حياة الديب، ولما لها من الشأن في مصر خاصة
الحب في تعريف بلاتو وفي تعريف البيولوجيا (شطْر يبحث عن شطره الآخر الذي كان لاصقاً به ومكملاً فانفصل. . .)
فالبيولوجيا تقرر أن المخلوق كان في البدء وحدة ثم شُطر، وكان الشطران في المبدأ على جذع واحد وكانا متساويين، فلم يلبثا أن تميزا على الجذع ثم انفصلا، ثم قضى الله عليهما أن يبحث كل عن الآخر. . . في سن المراهقة حيث تنشط الغدد وتتأجج الحواس وتتطلع النفس باحثة عن شطرها الضائع
وهذا الوقت هو أزمة الأزمات. وهو عندنا في مصر - خاصة - عهدٌ خطر، ومع الأسف يقل فيه الإرشاد وتندر الصراحة الواجبة، مع أنه العهد الذي يبدأ فيه نضج الأديب، وتزدهر مواهب الفنان وتتفتح
فإن النفس التي تتطلع إلى مثلها الأعلى، أي إلى توأمها من الجنس الآخر، قد تجده، فإن وجدته قد لا تظفر به، أو قد تظفر وتنتهي الرواية، أو لا تجده، فتتحول إلى خَلق شيء على مثاله، أو التغني بالحنين إليه، أو رسمه على القماش أو الحجر، وهكذا. أو تكون الأزمة النفسية من الشدة بحيث تحدث اضطراباً نفسياً كبيراً، فإما يكون هذا الاضطراب تحدياً واعتداءً، أو تخاذلاً وانطواءً، وإما أبعد من ذلك، وهو الجنون. فنحن الأطباء نعرف ما هو جنون المراهقة ونفهم أسبابه وعلته
قلت إن هذا العهد في مصر أخطر العهود على الشاب الأديب
فإما أن يكون أديباً عبقرياً، فطامته الكبرى أن مثله الأعلى غير موجود أو مستحيل، وكارثته الأخرى أنه إذا وجد خياله المنشود، يخفق في الحصول عليه أولاً، لأنه ضال لا