قيمته مثل قيمتهم؟ وهل لا نجد في عصرنا هذا من يقرن إليهما ويوزن بميزانهما؟
أما مالك فهو إمام مشرع نافذ البصيرة والذكاء في فهم المسائل وفي التشريع، ولكنا نستطيع أن نجد له نداً بل أنداداً كثيرين في هذه الصفات كلها. وفي مسائل كثيرة نجد علماء متأخرين يناقشون مذهب مالك أو غيره من المذاهب ويفَّندون رأيه في مسألة أو في مسائل. ثم يقتنع الباحث المنصف بأن رأيهم أرجح من رأي مالك وأن فهمهم لهذه المسألة أو المسائل أدق من فهمه
ونستطيع أن نجد كثيراً من هذا في مطالعاتنا لعلم الأصول وأن يجده غيرنا كذلك
ونجد في عصرنا هذا علماء يناقشون في مذهب مالك وفي غيره من مذاهب الأئمة ويفندون رأيه في مسألة أو في مسائل، ويكون رأيهم فيها أرجح من رأي مالك، وفهمهم لها أدق وأصدق من فهمه
في الأحاديث الدينية التي أذاعها الأستاذ الأكبر، وفي دروسه التي ألقاها منذ سنين، وفي أحكامه قبل ذلك في القضاء آراء ومسائل خرج فيها عن رأي مالك وأبي حنيفة وناقشها وأقنع سامعيه وقارئيه بصواب رأيه على رأيهم. وكان فهمه لهذه المسائل أدق وأصدق من فهم مالك وأبي حنيفة.
ونقرأ ونسمع لعلماء معاصرين آراء يخالفون بها هذا أو ذاك من الأئمة ومن الفحول، ثم نجد من الإنصاف أن نقرهم وأن نشهد بأنهم أدق فهماً وأصدق رأياً من هذا وذاك من الأئمة والفحول ولو خالفوا مالكا
ثم نقول بعد ذلك في الجاحظ مثل قولنا في مالك بفارق بسيط ولكنه ضروري. فإذا أردنا أن نضع الجاحظ وغيره من فحول الأدب القديم حيث يستحقون من تاريخنا الأدبي والثقافي، يجب أن نلاحظ الفرق بين (الأديب) في العصور القديمة وبين (الأديب) في عصرنا هذا، وأن نلاحظ الفرق بين (الأدب) في تلك العصور وبين الأدب في عصرنا هذا
فالأدب عند العرب في عصر الجاحظ وفي غيره من العصور (وإلى عهد قريب) كان أدب حفظ وجمع ورواية. وكان الأديب يوزن قدره ويلحظ مكانه نقدر ما يحفظ من الشعر، ومن غريب الرواية، ومن كلام السلف والأعراب، ومن شعر الشعراء. وكان أكبر ما يمدح به الأديب أن يقال فيه أنه (بحر علم) و (خزانة أدب) وإن صدره (وعي علوم الأوائل