من جديد، وهي ذوات سقوف متحدرة يكسوها الآجر الأحمر خلاف ما شاهدنا في سائر جهات فارس، ذلك لان مطر المنقطة غزير يفوق مقداره المتر، ويعزى إلى رياح شمالية غربية سائدة تهب من بحر الخزر على تلك المرتفعات فتدفعها مطرا وتسكو ذراها ثلجا، وتزيدها في الشتاء أعاصير البحر الأبيض التي تندفع من بحر قزوين إلى بحار الهند الدافئة خفيفة الضغط ويظل المطر زهاء ثمانية شهور ولم تخل السماء من الغيوم وكان الجو أميل إلى الرطوبة حتى في هذا الفصل الجاف، لذلك قل بها التراب الذي كان ينغصنا في بلاد فارس كلها، وكان جوها لطيفا محتملا عن جو طهران، إلا إذا انكشفت الشمس فعندئذ يصبح الحر شديدا. على أن الجهة تعرف بكثرة الأوبئة والحميات بسبب الحرارة والرطوبة معا، وقد زادها حرا أنها على منخفضات بحر الخزر التي تنخفض عن مستوى البحر بنحو خمسة وعشرين مترا لذلك يجري القول على لسانهم: ماذا أذنب فلان حتى يولى حاكما على الرشتت. على أن حظي كان موفقا إذ كانت أيامي هناك أجمل أيام قضيتها في إيران كلها. وفي المدينة مجموعة من متنزهات منسقة تقوم به المقاهي، وفيها تسمع الموسيقى الشجية وقد اختلطت الأنغام الفارسية بالروسية، وكلاهما مما تستريح له آذاننا.
أقلتنا السيارة إلى بهلوي على شاطئ بحر الخزر - ولا يسمونه هناك بحر قزوين أبداً - فكان الطريق يمتد أربعين كيلومترا وهو يتولى وسط الإحراج المغلقة يؤمها النمر والحيوان المفترس ومن أعجب ما رأيت فيها الكروم البرية التي كانت تنمو في كل أرجائها ومنها نقلت كروم أوربا. اخذ الشجر ينضمر ويندر كلما قاربنا البحر ثم انعدم، وأضحت السهول تكسى ببساط من خضرة إلى البحر، وكانت بيوت القوم أخصاصا من الأعواد والخشب يكسوه القش الثقيل في شكل مخروطي أو متحدر السقوف، كأنها مساكن الغابات الاستوائية على ضاف فكتوريا نيانزا. والقوم يستأصلون الاحراج في مسافات يزرعونها من الأرز والطباق والقطن والكتان، والعمل يقع كله على السيدات اللاتي كن يظهرن في ملاءات بيضاء ناصعة وقد استرعى جمالهن نظري، فهو مخالف للسحن الفارسية البحتة ويظهر أن اختلاط الروس بالفرس هناك اكسب أولئك جمالا عالج كبر الأنف الفارسي، وأشرب اللون الفارسي الأبيض بعض الحمرة الروسية الجذابة، والناس في تلك الناحية يمونون أنفسهم بكل شيء من عمل أيديهم حتى الملابس ينسجونها من القطن والكتان والحرير - وهم