دخلنا بهلوي فكانت بيوت الفقراء اخصاصا، على نمط تلك التي في الغابات، يحفها سور من غاب، وعلى البحر أقيمت الميناء بروافعها وبواخرها وزوارقها، وتلك الناحية يسمونها (غازيان) وإذا ركبت البحر أقبلت على شبه جزيرة تبدو عليها المباني الفاخرة والشطآن المنسقة، وهذه هي بهلوي أو أنزيلى القديمة، ركبت البحر إليها في ربع ساعة، وإذا بها آية في التنسيق والنظافة، بيوت فخمة، وطرق مرصوفة، ومتنزهات عدة، وقد مدت على شواطئ البحر الحدائق والمقاهي، فكنت وأني في إحدى مدن الرفييرا تماما. وفي الحق أن تلك الناحية من فارس فريدة، تختلف عن سائر جهات فارس في كل شيء: في طبيعة الأرض، وفي الجو، وفي النبت، وحتى في أهلها فهم أكثر نشاطا وجمالا. أما الناحية الخلقية فهي هنا أكثر فساداً، ولا شك إن للإباحية الروسية أثراً كبيرا في هذا
ولقد حققت حلما طالما جال بخاطري هو أن أركب بحرر الخزر - بحر طبرستان قديما - وأطوف بسواحله ذات الطبيعة المختلفة من غابات كثيفة تغص بها سواحله الجنوبية، إلى غابات جبلية في غربة، إلى كلأ وعشب صحراوي في شرقه، إلى أرض ملحة مهملة في شماله. لكن الشبح الروسي لم يتح لي التجوال كاملا فلبثت اليوم كله أجول في مياهه الفارسية، وقد كان ماؤه هادئا، على أنه إبان العواصف يعلو موجه ويضطرب، وقد تذوقنا ماؤه فإذا به نارد الملح على خلاف ما عهدت، فخلنا أن ذلك راجع إلى قرب المصاب العذبة. لكن القوم يعرفونه أميل إلى العذوبة في كل أرجائه وأيدوا رأيهم بكثرة أسماكه نوعا وعدداً. ولذلك كانت مصائده هامة للدولتين الفارسية والروسية، حتى أضحى السمك الغذاء الرئيسي، فهو والأرز عماد الطعام، وقد كان لهما أثر حسن في أجسام الأهلين، فهي ممتلئة ولم أعثر على القامات الطويلة والأجساد السمينة إلى في تلك الناحية من فارس كلها
اصحبنا يوم الجمعة والجو جميل، والسماء تنتثر بالغيوم بعد أن أمضينا ليلتنا في نزل (سافوى) في الرشت، وهو يطل على ميدان البلدية، تمتد منه الطرق المستحدثة، تزينه المتنزهات، والمنظر من شرفه النزل رائع: السماء تنقشها السحب، والخضرة تمتد إلى الآفاق، والمباني حولنا أنيقة، وجماهير الناس في أنظف ثيابهم - لأن يوم الجمعة يوم الراحة القومية. يروحون ويغدون في كثرة تسترعي النظر ولا يخلو الجمع من طائفتين