للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الغانيات في ازرهن السوداء المهفهفة والمتسولين الذين يمسكون بتلابيبك ويصيحون في نغمة البائس المستميت، واكّفهم مبسوطة وكثير منهم من يظهر في هندام نظيف ووجه مشرق، يدل على أنهم على شيء من اليسار، لكن التسول أضحى في القوم عادة متأصلة ذميمة. وكثير من مباني الرشت وبهلوي بالخشب لكثرة الغابات حولهما، لذلك ترى في كل برجاً عالياً يظل فيه الرقيب صباح مساء لينذر بالحريق إذا ما بدا دخانه أو لهيبه في أية ناحية من البلدة.

قمنا مودعين تلك المنطقة البديعة التي تصلح للراحة في الربيع والخريف. وأخذت سيارتنا تشق الخضرة التي زادت كثافتها تدريجا، وبعد ثلاثين كيلومتراً بدت جبال البرز، أعني أن السهول تمتد إلى بحر الخزر سبعين كيلومترا؛ وكانت الأشجار الكثيفة تغطى الجبال إلى أعلى ذراها، والربى تبدو مدرجة الواحدة وراء الأخرى، وسحاب السماء يكاد يلامسها وإن لم يبد للثلج فوقها من أثر. وكانت طيات الوديان بمائها الشحيح تختفى وراء النجاد تارة ثم لا تلبث أن تتكشف في مباغتة تقر لها العين. وكان المنظر العام ونحن وافدون من الرشت أروع منه لمن يدخل البلدة قادماً من طهران. وظل جلال الغابات حولنا زهاء خمسة وعشرين كيلومتراً، ثم ندر الشجر وانعدم فجأة، وأضحت عقد الجبال قاحلة منفرة مسافة ذرعها سبعون كيلومترا، كان الطريق فوقها طيات قاسية رهيبة، خصوصا في ضوء القمر الشاحب، وفي سكون الليل الرهيبة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>