مسرح الدرام في ذلك الوقت كان غنيا بل طائل الثراء بالجهود التي تضافرت لإنعاشه وبعثه وخدمته الخدمة الحقة التي تعلي من شأنه وترفعه إلى المنزلة التي هو جدير بها، ولم يكن ينقصه إقبال الجمهور الذي تدفق وحيا القائمين بهذه النهضة المباركة تحية طيبة مباركة.
كان ذلك منذ عشر سنوات، أي في مستهل افتتاح مسرح رمسيس الذي يؤرخ ظهوره عهدا جديدا في تاريخ المسرح في مصر، ما في ذلك شك، ولا من الاعتراف به بد. ولكن انظر اليوم أين نحن وأين مسرح الدرام، واين تلك النهضة التي بدأت قوية وسطعت كالشهاب اللامع. ثم إذا بجذوتها تنطفئ على الأيام رويداً رويدا، وتنحدر من قمتها الباذخة سنة بعد أخرى حتى إذا هي اليوم في أسفل الوادي، بل في هوة سحيقة وا أسفاه، وفي حال تدمع لها العين ويدمى لها الفؤاد.
ها هي فرقتنا الجدية تغلق دورها وتعلن فشلها، ويتفرق أفرادها يطوقون الأبواب كبائس في يوم عيد يرى الناس في زينتهم ونعيمهم وهو مملق مسكين، كده الضنى وأجهدته الحياة، وأسلمته صروف الأيام إلى المسغبة والعوز، ويخفض جناح الذل من الحاجة ويستعدى على مطالب العيش وقوت الأهل إحسان المحسنين وبر الكرام العاطفين
كان مسرح الدرام كما رأيت، وحاله اليوم كما ترى، كان غنيا وافر الغنى، فأصبح فقيرا شديد الفقر، كان رفيع العماد شامخ الذرى فإذا هو اليوم أنقاض وخرائب وموحشة.
لكن مسرح الكوميدي حاله غير هذه الحال، ولشد ما يختلف في نشأته وكيانه وتطوره عن مسرح الدرام! فبينما كان هذا قوياً زاخرا بفرقة العاملة وبمن تضم من أفراد مشهود لهم بالمقدرة والكفاءة، كان الآخر لا يزال في مستلهل حياته ومطلع فتوته يلجأ إلى دور صغيرة ضيقة من التجاوز في التعبير أن نسميها مسارح، وكان لا يضم إلا قلائل جمعتهم وحدة الغاية والميول فتكاتفوا على العمل سويا في النوع الذي وجدوا من أنفسهم ميلا إليه ومن استعداهم كفاء له. وأخرجت بعض روايات جورج فيدو المؤلف الفرنسي النابه الذكر فلقيت نجاجا كبيرا وبدأ مسرح الكوميدي ينتعش قليلا قليلا ولكنه لم يحرز التوفيق كله إلا في فرقة مسرح الاجبسيانه - رنتانيا اليوم - حيث بدأت الروايات الاستعراضية الكبرى والتي كانت تمثل كل منها الأسابيع والأشهر المتوالية بنجاح عظيم يفوق الحد والجمهور تكتظ