- لا أعلم. ولكن لك أن تسألي من أين أريد أن أبدأ. . . فهذا وحده ما أستطيع أن أجيبك عنه!
- ابدأ أينما تبدأ، ولكني أرجوك أن تنتهي إلى شيء يقره العقل. . .
- وما العقل؟ أظنه يحسن بنا أن نتفق عليه، وعما يصلح لأن يكون موضوع إقراره، حتى إذا ما وقفنا عند رأي لم نختلف عليه؛ فتقولين: إنه غير معقول؛ وأقول أنا: إنه معقول؟!
- ولكن هذه حكاية جديدة، بل هي حكاية قديمة جداً فيما أظن. . . ألم تعرف إلى الآن العقل ما هو؟
- ومن عرف!
- الناس جميعاً. . . اللهم إلا أولئك الذين لا يزالون يسألون عنه
- كان يخيَّل إلىّ أن هؤلاء الذين يسألون عنه هم الذين عرفوه مرة مرات ويريدون أن يعرفوه دائماً. . .
- ما هذا الكلام؟ الشيء إذا عرف مرة عرف دائماً
- إلا العقل. . . فهو حين يعرف العقل يكون عارفاً ومعروفاً في الوقت نفسه، وهذا يستلزم أن ينشق العقل على نفسه، أو أن يتداخل في نفسه، أو أن ينتفض عن نفسه لمحة، ثم يعود إلى نفسه، فإذا عاد إلى نفسه عاد عقلاً هو الذي كان قبل أن تحدث له حادثة المعرفة هذه، ولم يكن هو قبل هذه الحادثة يعرف شيئاً عن نفسه. . .
- هذا فرض يحتاج إلى إثبات
- إذن، أثبتيه أنت
- وأنا مالي؟ هل أنا الذي فرضته؟. . .
- ولكن، ألا ترينه معقولاً؟
- ومن كلام المجانين ما هو معقول
- فليسوا مجانين، أو هم ساعة ما يقولون الكلام المعقول لا يكونون مجانين. . . وما داموا يكونون مجانين أحياناً، وغير مجانين أحياناً فهم إذن كبقية الناس، فما من إنسان إلا ويحيد عن العقل وحكمه في كثير. . . فإما أن يكون الناس على هذا مجانين جميعاً، وإما يكونوا عقلاء جميعاً، وإما أن يكونوا جميعاً في حالة ثالثة يصيبون فيها الحكمة حيناً ويخطئونها