حيناً، وهذا ما قدمته لك من أن العقل شيء إذا اهتدى إليه مرة لم يكن معنى ذلك أنه قد ربط وأنه لن يشرد ويتيه في وديان النسيان
- وقد قبلت أنا هذا الرأي وسأدعك تقول ما تشاء على أساس أنه لا عقل ولا جنون
- وأنا لا أرضى بهذا، فالعقل شيء موجود بلا ريب، وكل رأى لا يوافق العقل لن يكون إلا خبلاً، وأنا لا أحب ابنة الجيران مثل أخيك حتى اسمح لنفسي أن أسايرك فيما تريدين أن تعربدي فيه من الحديث وأنت مترنحة الفكر. . .
فماذا تريد مني أن أصنع؟
- أريد منك شيئاً لا بد أن أطلبه من نفسي كذلك حتى نكون نحن الاثنين عاقلين فنستطيع أن نتفاهم. خذي هذا الخيط وهذه الإبرة وهذا الثوب وخيطيه، وأما أنا فسأرسم في هذه الورقة دائرة، سأجعل نصف قطرها عشرة سنتيمترات، وسأقسم محيطها إلى عشرة أقسام وسأجعل في كل قسم منها وتراً، وسأجعل كل وتر من هذه الأوتار قاعدة لمثلث رأسه مركز الدائرة، ثم سأرسم في كل مثلث دائرة يمس محيطها أضلاعه الثلاث ثم سأجعل كل نقطة من نقط التماس هذه رأساً لزاوية من زوايا مثلث آخر سأرسمه داخل كل دائرة من هذه الدوائر الصغار. . . خذي. . . إبدائي. . . وهأنذا سأبدأ معك ولنتحدث. . .
- ما شاء الله! ولن أكون عاقلة حتى أخيط لك الثوب، ولن تكون أنت عاقلاً حتى ترسم بيت جحا هذا الذي وصفته. . .
- نعم. . . مثلما كان يفعل الكردينال دي ريشلييه. . .
- رحمه الله. . . هو أيضاً كان يخيط الأثواب ويرسم المثلثات والدوائر. . .
- بل كان يجمع على مكتبه جيشاً من القطط لا يفتأ يحادثهن في المشكلات التي تعرض له ويسألهن حلها ويتملقهن استجداء لحلول معضلات ومشكلاته من عندهن، فهو يمسح هذه ويداهن تلك، ويهز بأصابعه شوارب ذاك، ويهرش بأظافره رأس هذا. . . ولا يزال هكذا حتى ينفلق عقله أو ينبلج، فينكشف له عقله ويرى الحكمة. . . إنه يشغل نفسه بعملتين عقليتين: أولاهما المعضلة التي يروم حلها، والثانية مناوشة القطط، وهو لم يكن يفعل هذا إلا لكي ينتفض عقله على نفسه ثم ينطبق مرة أخرى فإذا به في هذه الانتفاضة قد ومضت فيه شرارة من نوره هو، هي ما كان يبحث عنه ليسير على هدية. . . ألم ترى مطلقاً أناساً