وهمَّ الطبيبُ أن يرفع أمره إلى القضاء، ثم سكت؛ وماذا يردٌ عليه القضاء من ماله وإن غريمه مفلسٌ لا يجد رمقه. . .؟
وصبر على غيظ، وسكتتْ زوجه على حسرة وألم!. . .
وضاقت بالفتى أيامه، فعاد يتذكر أخته. . . وسعى إلى بابها وسأل، وكان زوجها في الدار، فتوارى الفتى يترقب، وطوى ورقة مكتوبة ودفعها إلى البواب. . . وصار هذا شأنهما من بعد. . .
وكان يقصدها كلما ضاق به أمره، ليس بين المرة والمرة إلا أيام، فتعطف عليه أخته وتنيله؛ ثم تقاربت مواعيده حتى صار له راتب مفروض في كل يوم. وبَصُر به الطبيب مرة وهو خارج فأخصى كأن لم يرى. وتجرأ الفتى من بعد فاستعلن، وراح يطرق الباب حين يشاء من ليل أو نهار يطلب ما يطلب، وترادفت مطالبه. . .
وضاق صدر الزوج ونفذ احتماله، فتصبرَّ. . . ثم علم من شئون حسان ما لم يكن يعلم، فغضب لنفسه. . .
لقد يكون من المحتمل أن يلقى الرجل ذا حاجة فيدفع إليه بعض ما يستعين به، ولقد يؤثره على نفسه بما يمنحه؛ ولكن منذا تطيب نفسه بأن يكون ما يدفع إلى ذي حاجة من ماله وسيلة إلى اللهو الحرام؟
هكذا قال الطبيب لنفسه فثارت ثائرته. إنه يشقى ما يشقى في تحصيل هذا المال، ليسعد به وليسعد غيره؛ لا لينفقه حسان على موائد الشراب والقمار!
وتحدث إلى زوجته بما في نفسه وإن كلماته لترتجف من الغضب، واستمعتْ زوجته إليه مطرقة، ثم خلَتْ إلى نفسها لتبكي. . .
ولم يكفُ حسان ولم تحرمه أخته، وعاد الأمر بينها وبين أخيها سراً كما بدأ، واستمرا المرعى فكشف الحجاب. . . وكان ما تنيله معروفاً ونافلة فعاد ضريبة مفروضة، وتكررت مطالبه وكثر مطلوبه، وألح إلحاح الجابي على مدين مماطل. . .
وتعود سكان الحي أن يروه كل يوم مرة أو مرات في موقفه ذاك ذليلاً ناكس الرأس،