يهدد حياة المسلمين، وهم الذين أدركوا المنحدر الذي قد ينحدرون إليه، فهبوا يؤدون رسالتهم التاريخية في شجاعة وصبر، مضحين في سبيل هذا الواجب بهنائهم وسعادتهم غير مبالين بما يقف في طريقهم من صعاب لا يثنيهم عن عزمهم ما يبيته لهم الخصوم، ولا يصدهم عن مهمتهم ما يرميهم به ضعاف الإيمان، وهم من أجل ذلك في أزمة شديدة قاسية مضطربة نفوسهم وحياتهم أيما اضطراب.
في رسالة الأستاذ هرتمان بيان شامل دقيق لحركات المصلحين الذين تنوعت بهم طرق الإصلاح، واختلفت لديهم سبل التجديد تبعاً للثقافات المختلفة التي عرفوها والبيئات التي اتصلوا بها، فمنهم من رأى الرجوع إلى القديم والتمسك بالإسلام الأول، ومنهم من رأى الأخذ بالجديد كله، ومنهم من سلك سبيل التوفيق. وعلى هذا يدور البحث في هذه الرسالة القيمة التي سدت فراغاً كبيراً في الأبحاث الإسلامية الحديثة. والأستاذ هرتمان عالم هادئ الطبع اتصلت به أثناء دراستي ببرلين فعرفته يمتاز عن غيره ممن بحث في العلوم الإسلامية بنضوج الفكرة، والرجوع إلى الحق إذا ظهر له، لا يصدر حكمه إلا بعد تريث وترو في رفق وأدب. وهاأنذا أعرض عليك فصولاً من هذا البحث:
- ١ -
يقول الأستاذ: قلما تجد بين الأديان الكبيرة ديناً ينفذ إلى حياة معتنقيه كلها فردية كانت أم اجتماعية مثل الإسلام. ذلك أنه من وقت النبي والخلفاء أخذت السلطة الدينية فيه شكل الدولة السياسي، وبقي عدم التفريق بين أمور الدين وأمور الدولة - على الأقل في المبدأ - قائماً إلى الوقت الحاضر. وهكذا أليس الدين كل شيء ثوب التشريع والفقه، وقد طور عمل القرون المتوالية هذا الفقه إلى بناء هائل منظم لكل أنواع المعاملات والعلاقات الإنسانية تنظيماً دقيقاً، وأصبحت القوانين كلها ذات ثوب ديني تبعاً لهذا المبدأ الذي لا يفرق بين أمور الدين وأمور السياسة.
حقاً إن مثل هذا القانون قد تكون فيه قوة مادام حياً جديداً موافقاً للعصر المعمول به فيه، ولكن هذا كان إلى حد محدود، فإنه في أثناء تطوره لم يكن نافذاً معمولاً به على الإطلاق، لأنه في الحقيقة لم يكن من عمل الدولة وأعضائها، ولكنه كان عملاً للمؤلفين. وأخيراً عندما اقتنع الناس بأنه تجب متابعة الخلف للسلف الأول في كل أمر، وأن كان ما فصل فيه