للعلم. بل قد تعدى إلى بعض السياسيين العارفين بشئون العالم الإسلامي مثل اللورد كرومر الذي حكم على الإسلام حكماً قاسياً حين قال: إن إصلاح الإسلام يخرج الإسلام عن أصله
ونحن لا ننكر أن ما قيل من أن الإسلام عدو للإصلاح وليس ملائماً للأفكار الحديثة، قد يكون له بعض الأسباب، ولكنا هنا لا نلقي الكلام على عواهنه، ولا نعرض لأحوال غير مفهومة لعوام المسلمين الذين أثبتت الملاحظات شيئاً من تعصبهم.
فإن ذلك كله لا يرجع إلى الدين الإسلامي نفسه، بل إلى العناصر والبيئات التي حل فيها، أو إلى ما انتشر بين الناس من أن الإسلام ليس إلا تكراراً لليهودية والمسيحية، فمثل هذه الأشياء قد تكون موانع للإصلاح، ولكنها على أقصى حد أمور تبعية شكلية وليست أموراً أصلية. وأنه من البعد عن موضوع البحث أن نتكلم عن هذه الظواهر الشعبية في الإسلام، التي هي عبارة عن توفيقات بين تعاليم الدين وبين ما هو متأصل قديم في الشعوب من إفهام ضعيفة وأخرى ساذجة. ولكي يحكم الإنسان على جماعة دينية لا بد له من أن يحكم على مبادئها الصحيحة، وفي الإسلام يجب علينا أن نفهم مبادئه بكل وضوح، وأن نستبعد عنه ما ارتبط به من إفهام العوام، وحينئذ فقط يكون صحيحاً سليماً.
ولسنا في حاجة اليوم - لكي نفهم الإسلام في أطواره التاريخية - أن نقرر أنه لا يجوز لنا أن نرجع مباشرة إلى صحاب الرسالة (ص) كما نعرفه تاريخياً، فإن جاز لنا ذلك فإن الأمور تكون في غاية البساطة، لأنه ليس من شك أن النبي - الذي لم يكن نبياً فقط بالمعنى الذي يفهمه الأوربيون، بل كان سياسياً يدير أمور الدولة - كان في الحقيقة واسع الأفق في دعوته ويحسب للأمور حسابها. وجوابه المعروف:(أعقلها وتوكل) كلام له مغزاه، ويجب أن لا ننساه في مجرى التطورات الأخيرة في الإسلام.
ولكن الواقع أن الرجوع إلى ما كان عليه الرسول فقط لا يعرفه الإسلام التاريخي على ما هو عليه كجزء من حقيقته الصحيحة، فإن الإسلام كما يعتقد أهل السنة ليس إلا نتيجة لتطور طويل كثير التقلب. ذلك أنه لم يكن الإسلام في عهد الرسول إلا إيماناً سهلاً وقوانين للحياة بسيطة. وعندما انتشر بهذه السرعة الفائقة في بلاد ذات ثقافات مختلفة غير التي كانت في مهده الأول، دعا الأمر إلى تحوير وتشكيل. وهكذا تم للإسلام إضافة أشياء إليه أثناء امتزاجه بالتراث العقلي الذي كان عند سكان الأمم المفتوحة. حتى أمور العقائد التي