ففي ناحية التفكير الرشيد، والعقل المتزن، والعلم الموثوق به، تجد النقد الهادئ، والرأي السديد، والأسلوب الراقي، واللفظ المهذب! وفي ناحية التفكير القاصر، والأفق المحدود، والعلم الذي هو أشبه بالجهل، تجد النقد الهائج، والرأي الفطير، والأسلوب الوضيع، واللفظ البذيء!
ولهذا وذاك أمثلة فيما يطلع به الناقدون على الكاتبين من نقد أو اعتراض، وفيما تجري به حركاتهم وألسنتهم من فعل أو قول.
ولو شئنا لمثلنا هنا بما نعرف فلا سودت وجوه، وابيضت وجوه! ولكنا نعرف أن الموازنة على هذا النحو تؤلم نفوساً لا نحب لها أن تألم، وتقض مضاجع عزيزاً علينا أن تقض، فحسبنا أن نجعل على ذلك علامة يلمح بها ما نريد أن نفضحه، من (النقد الرخيص)
إذا أردت، أيها القارئ الكريم، أن تعرف قيمة النقد فانظر إليه فإن وجدت صاحبه يبحث في الجوهر واللباب، دون العرض والقشور، ويطيق أن يشرح بالحق صدراً، ويعترف به جهراً، في أسلوب عفيف، ولفظ مهذب، فذلك هو (النقد الثمين)
وإن رأيت صاحبه يشغل الناس بغير الحديث، ويهرب من مواجهة الحق، ولا يكرم قلمه أن يسيل بالألفاظ النابية، والكلم الجافية، كأن يرمي الذي ينقده بالجهل، وسوء النية، والملق، والضعف، والعقوق، والفسوق، وغير ذلك من الأوصاف، فاعلم بأن هذا هو (النقد الرخيص)
وإنما كان كذلك لأنه لم صاحبه جهداً، ولم يتقاضه تفكيراً ولا تعباً، فقصاراه أن يكون مجموعة من القول السيئ لزت في قرن، ثم قذف بها صاحبها في وجوه الناس، فأبت إلا أن تعود إليه لتلتصق به!
وقد عني القرآن الكريم بأن يرسم للناس طريق الأدب في هذا المجال واضحاً، وأن يضرب فيه الأمثال، والله بكل شيء عليم! (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا، وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)
(ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء. تؤتي أكلها كل حين بأذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، ومثل كلمة خبيثة