(أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)
وينبغي على كل حال أن يغتبط الكاتب ذو الفكرة بما يتطاير حوله من سهام النقد، أو يثور عليه من غبار الاعتراض، فإن ذلك دليل واضح على أن فكرته قد وضعت موضع النظر، وأنها جديرة بالأخذ والرد والمناقشة والجدال
أما الفكر الهزيلة الساقطة فهي التي تولد فلا يحس بميلادها أحد، وتموت فلا يشعر بفقدها أحد، وصاحبها في الحالين مغمورٌ مغمور!
وينبغي أيضاً أن يكون الكاتب - مع اغتباطه بما يرى من الاهتمام بفكرته - مترفعاً محتفظاً بمستواه، فلا يغريه إخلاصه للفكرة، وتفانيه الذود عنها، بأن ينازل غير الأنداد، فيجادل فيها الوضيع كما يجادل الرفيع، ويناقش الجاهل كما يناقش العالم، ويعامل المكابر المعاند بما يعامل به المستوضح المتثبت، ويسوى بين (النقد الرخيص) و (النقد الثمين) فإن في الناس من يجعل ذلك حيلة، ويتخذ منه وسيلة، ليطير ذكره ويذيع اسمه. فليحذر الكاتب هذا النوع من الناقدين وليفوتوا عليهم قصدهم، ويعكسوا - بإهمالهم - غرضهم!
وفي مثل ذلك يقول بشار بن برد:(هجوت جريراً فأعرض عني واستصغرني، ولو أجابني لكنت أشعر الناس)
وقد اعتذر مسلم بن الوليد عما ترك من هجاء دعبل الخزاعي بأنه ليس كفئاً لهجائه، وأن عرضه أدنى من أن يهجى، فهو يتركه لهذا الغرض الدقيق. قال:
أما الهجاء فدق عرضك دونه ... والمدح عنك كما علمت جليل
فاذهب فأنت طليق عرضك إنه ... عرض عززت به وأنت ذليل!
وكما ينبغي للكاتب أن يحتفظ بمثلها للمنبر الذي أشرف على الناس منه، فإذا كتب كاتب في (الرسالة) مثلاً فعليه ألا يشوه جمالها بما يرد فيها على (النقد الرخيص) ينشر في غيرها
تلك شرعة النقد والكتابة عندي، وأنا أولى بأن أطبقها على كل من نقدني فأسرف
فيأيها الذين نقدتم فأسرفتم، ويأيها الذين نبا بكم القلم حين كتبتم: اذهبوا جميعاً فأنتم الطلقاء!