على ان هناك صفتين أخريين نلمحهما دائماً في أدب تيمور: أولاهما تغلب عاطفة الخير في أقاصيص على عاطفة الشر، وقد يعود هذه إلى أنه يرى الحياة من جانب واحد هو الخير، وبنظرة ثابتة هي الاطمئنان، وهو من هذه الناحية يشبه دكنز، عندما أراد أن يرسم لنا صورة مكويرومسترمل، جعلهما ينجحان في استراليا، مع أن شخصيتهما لا تدع أمامنا مجالا للشك في أنهما خرجا ليلاقيا الخيبة
وقد تدفعه عاطفة الخير إلى ان يحجب نور الحقيقة عن نظر القارئ، وعندما يريد ان يصارحه بهذه الحقيقة، تراه يشير إليها من طريق خفي وبدون ان يعلق عليها بقلمه، كما في أقصوصه (جحيم امرأة)، فأنه بدلا من ان يصارحنا بحقيقة الخواجة نعوم وموقفه من خيانة زوجته، نراه يلجأ إلى التستر والتلميح، خاصة عندما ناوله عبد السميع مبلغ الثلاثين جنيها بحجة أنها ثمن لأسهم شركة يريد أن يؤسسها، مع أن فطنة القارئ تكاد ترشده إلى ان هذا المبلغ لم يك إلا ثمناً لثلاثين ليلة قضاها العاشق المضطهد في أحضان الزوجة العابثة!
والصفة الثانية التي يريد أن نتحدث عنها، هي تلمذته على أدب المرحوم محمد تيمور أخيه وتأثره الشديد بفنه، وهذه الصفة البارزة تدفعنا إلى أن نقارن بين أدب الأخوين فالفرق بينهما واضح جداً
كان فن المرحوم محمد تيمور يقوم على ميزات ثلاث: اللغة والمحاورة وبناء هيكل الرواية، وكان يؤمن بان الفن هو مرآة الطبيعة فيجب ان ننقل إليه الطبيعة كما هي من غير تجميل، ومن اجل هذا وكان ينتصر للعامية ويرى انه يمكن ان نعبر بها عن كل ما يراد التعبير عنه، ولذا جاءت لغة الحوار في رواياته طبيعية لا أثر للصناعة أو التكلف فيها، وكانت نظرته للحياة اكثر إدراكاً فكان يستوضح مظاهرها ويدور في أعطافها ليستمد فنه من جميع نواحيها، انه ليخيل إلينا ونحن نطالع إحدى رواياته انه قد تقمص بطلها
أما محمود تيمور، فبالرغم من طابع الصدق الذي يتسم به أدبه وجذوة الحياة التي تشتعل في جوانب أقاصيصه، فأنا نكاد نشعر كنقدة - بأنه يبخس المتكلم حقه ولا يعطيه الحرية التامة في أن يعبر عن أفكاره وميوله باللغة التي توافق مزاجه وتلائم بيئته، والقصصي العبقري، هو الذييحس بالحوادث تجري حوله، فلا يكتفي بأن ينقل إليها صورها ويصبها