للفتك والطعان. في هذه اللحظة لم أكن في الطليعة، بل كنت في المؤخرة لا أزال على جبل الكروم، بينا الكثيرون غيري كما أسلفت القول يقفزون في حمية من درجة في الجبل إلى درجة يبادرون إلى نجدة الإخوان. وإذ كنت لا أزال فوق المرتفع أطل على السهل، كما لو منت أطلع في جو حالك مرعد يتساقط فيه البرد، قلت لنفسي: هذا أوانك قد آن؛ أو قال لي على الأصح الملك الذي كان يحرضني: أركن إلى الفرار!
فتلفت من حولي فإذا كل شيء أمامي نار ودخان وبخار، ومن خلفي جنود كثيرون ما يزالون يهرعون للانقضاض على العدو، وعن يميني جيشان كبيران على أتم الأهبة للقتال، وعن شمالي مرتفعات الكروم وأدغال وغابات، وهنا وههنا بضعة من البروسيين والبندوريين والهوسار قد أربى قتلاهم على جرحاهم، فقلت: هنا! هنا! في هذا الجانب وإلا استحال الأمر علي فتسللت يسرة أخافت أول الأمر في مشيتي أخترق الدوالي. وكان بعض البروسيين لا يزالون يمرون بي مسرعين، فكانوا يقولون لي: عجل! عجل! أيها الأخ فالفوز لنا! أما أنا فلم أحر جواباً بل تصنعت قليلاً أني جريح، وواصلت السير أرتعش من الخوف ما في ذلك شك. وإذ أبتعد في تلك الأثناء حتى لا قبل لأحد برؤيتي ضاعفت من خطوي وأمعنت في سيري وغزرت فيه، وأنا أتلفت يمنة ويسرة كالصياد. وتطلعت من بعيد لآخر مرة في حياتي إلى حصاد الموت وحومة الفناء؛ ثم أطلقت ساقي للريح بجانب الغابة، وكانت ملأى بقتلى الهوسار والبندوريين وجثث الخيل، وعدوت عدواً سريعاً إلى النهر، ووقفت عنده. فإذا بضعة من جند الإمبراطورة المصابين الذين تسللوا مثلي من المعركة يصوبون ألي بنادقهم عندما أبصروني ويعاودون إلى التسديد مرتين أخريين غير عابئين ببندقيتي التي طرحتها، وبقلنسوتي التي كنت ألوح بها وأشير الإشارة المألوفة. على أنهم لم يطلقوا النار، فاعتزمت أن أعدوا إليهم ولو لم أفعل لكانوا أحرياء بأن يطلقوا علي النار كما علمت بعد ذاك. ولما جئتهم وقلت لهم إني فار من الجيش، أخذوا مني بندقيتي، ووعدوني بأن يردوها لي فيما بعد. . . لكن الذي استحوذ عليها لم يلبث أن اختفى بها على الأثر؛ واقتادوني إلى القرية التالية وكانت تبعد ساعة كاملة من لوبوستيس؛ وكانت لنا من خلال ذلك جولة في الماء وليس من نقالة سوى زورق واحد، وصراخ الرجال وعويل النساء والأطفال يرتفع كلاهما إلى أجواز الفضاء، فكل يريد أن يعبر أولاً خوفاً من