في التصعيد إلى قمة شق في صخرها ممر ضيق. فلما بلغت طليعتنا القمة سمعنا الرصاص يطلق إطلاقاً مرعباً. فحزرنا آنئذ جلية الخبر، فإن بضعة آلاف من جنود الإمبراطورة قد كانوا تلقوا الأمر بالصعود إلى الجبل في الجانب الآخر لينقضوا على جيشنا من خلف، فاتصل الخبر بقوادنا فكان أن ارتددنا نحن لنسبقهم ونفسد تدبيرهم، ولو قد تأخرنا بضع دقائق لبلغوا القمة قبلنا ولكنا من الخاسرين. ونشبت مجزرة لا توصف قبل أن نتمكن من إقصاء البندوريين عن الغابة. وتكبدت مقدمتنا خسائر فادحة وانقضت مؤخرتنا لنجدتها حتى تم لنا احتلال القمة. وكانت جثث القتلى وأجسام الجرحى تؤلف تلاً تحت أقدامنا تتعثر فيه. وسرنا في أعقاب البندوريين نجليهم عن مرتفعات الكروم درجة درجة ونقفز خلفهم من صخرة إلى صخرة حتى بلغنا السهل. وأطبق البروسيون الأصليون والبراندنبرجيون على البندوريين كالجن، وكنت أنا حين حمى الوطيس كمن به مس لا يجد الخوف أو الذعر إلى قلبي سبيلاً، فأطلقت طلقاتي في الستين في شوط واحد، حتى إذا أتيت عليها سخنت بندقيتي وباتت في يدي كالجمر؛ فذهبت أجرها من نطاقها، واحسبني في تلك الأثناء لم ألق إلى جانبي نفساً حية إذ كان الكل قد هرعوا إلى الهواء الطلق. واتخذ البندوريون مراكزهم ثانية فوق السهل قبالة لوبوستس على مقربة من الماء، وجعلوا يطلقون بنادقهم مستبسلين على مرتفعات الكروم حتى عض غير واحد قدامي وإلى جانبي في الكلأ. وكان البروسيون والبندوريون يختلط بعضهم ببعض في كل مكان، فمن وجد من الآخرين لا يزال يتحرك ضرب بالكرنافة على أم ناصيته أو طعن بالسنان. واستؤنف القتال بالسهل. ولكن أني لامرئ أن يصف ما حدث والدخان والبخار يتصاعدان من لوبوستيس، والهد والرعد يصمان الآذان، والسماء والأرض تكادان تنطبقان!
أنى لامرئ أن يصف ذلك الفزع المتواصل لمئات الطبول وذلك العزف الذي يمزق القلوب أو يشدد العزائم من موسيقى الميدان المختلفة الألوان، وتلك الصيحات المنبعثة من كثير من القواد، والزمجرة المرعدة من مساعديهم، وتلك الاستغاثة وذلك الاستصراخ المتصاعدين من آلاف مؤلفة من ضحايا اليوم الأشقياء المدوسين بالأقدام أنصاف الموتى! لقد كان هذا كله يذهل الحواس وكانت الساعة الثالثة ولوبوستيس تحت النيران وجنود مقدمتنا يطبقون على البندوريين كالأسود الكاسرة، فيقفز مئات كثيرة منهم إلى الماء والمدينة نفسها مسرح