للقارئ، لذلك تنحيت عن عمد ريثما تهدأ النفس ويستقر الفكر فأستطيع أن أتابع السير في هذه السطور. ولئن أسرعنا في كبح جماع النفس عن الاسترسال فيما يسوقها إلى الاضطراب ويدفع بها إلى الوجوم؛ فإننا نطلب من القارئ أن ينحو بنفسه هذا النحو، وقد يكون له متابعة هذه السطور التي نستعرض فيها الناحية الإيجابية من عمل الإنسان خير عزاء عن الناحية السلبية التي يندفع إليها فريق من البشر، وهي الناحية التي يستقي القارئ أنباءها في الصحف اليومية، عندئذ وكلما مر أسبوع يتصفح الرسالة ساعة يطالع فيها شيئاً غير الذي تغلب على نفسه في يومياته وتملك الكثير من أوقاته، هنا يرى في قصة العلوم وفي سير الفلسفة، في تطور التفكير وفي تقدم الإنسان، في ازدهار الميراث وارتقاء المعرفة، أن الدنيا ما زالت بخير، وأن الإنسان ما زال حياً يتوارث المعرفة ويعمل على تقدمها على كر الأيام.
فلنستمر إذن في عملنا وليستمر الذين يتابعون كتاباتنا في مطالعة هذه العجالات التي نعالج بين ثناياها طرفاً من عظمة الإنسان كمخلوق راق لا كمخلوق تعس، والتي يتجدد بها الأمل فضلاً عما فيها من غراء للنفس. ولا ريب في أن المحنة ستنتهي يوماً وأن الإنسان سواء أكان من أهل ألمانيا أو من أهل فرنسا وإنجلترا سيدرك أن من خطل الرأي محاربة أخيه الإنسان، وأن النضال بالكلام خير من النضال بالحديد والنار فيطرح هذه الآلات التي لا تترك وراءها إلا أشلاء تتناثر وأجساداً تتحول قبل الأوان، ونفوساً أشفَّها الحزن، وقلوباً مزقها اليأس، بل ويدرك أن توجيه الإنسانية صوب مدارج الرقى أولى من الرجوع بها القهقري
ولو أن السلطات تركزت يوماً في أيدي العلماء لانتظمت الحياة في نسق يكفل سعادة البشر، ولزال إلى الأبد كابوس هذه المجازر البشرية، ولو أن ما أنفق على التسلح صرف في رقي العلم ورفاهية الإنسان لرأينا قبل أن نترك الحياة أو تتركنا مدنية أرقى من التي ننعم بها، ولعهدنا وسائل للعيش تختلف جد الاختلاف عما نعهده اليوم. فلنستمر إذن في عملنا ولنتقدم نحو غايتنا مهما عاودتنا لحظات من الاضطراب، فلا اضطراب لم يعقبه استقرار، ولا حرب لم يعقبها سلم، ولا عمل سلبي مهما طال لم يتله عمل إيجابي. ولنكن جميعاً معاول بناء لا معاول هدم، بذلك نعاون في بناء صرح المعرفة ونضيف إلى هيكل