ولقد تركت عن عمد الجرائد اليوم لاتصل بالقارئ وتغلَّبت على نفسي بالاستماع إلى قطع موسيقية، وكان في (غابة فِيِناًّ لستراوس)، وفي (الرابسودي المجرية) لملحنها (ليسْتْ) ما استحثني على الكتابة وشدد قواي على التفكير، وستكون غايتي اليوم أن أرفه عن القارئ بكلمة من نسيج الخيال، ولكنه خيال جائز، خيال له اتصال بالموضوعات الأخيرة التي تعرضنا لها.
عندما نتصفح أنباء المعارك الدامية بين البشر ندرس ناحية من صفات الإنسان الذي تطورت حالته على هذه الأرض من مخلوق عاجز عن القيام بتافه الأمور إلى مخلوق يستخدم ذكاءه في ضرورة مرة وفي نفعه أخرى. ثمة عقيدة بأن هذا المخلوق هو أرقى المخلوقات طرا لأنه سما على كل ما يدب على وجه الأرض بذكائه ومقدرته
وإن جاز لنا أن نعتقد أنه المخلوق الوحيد من نوعه في الكون لتوافر اشتراطات طبيعية عديدة لاءمت وجوه على النحو الذي هو عليه لا يمكن أن تتوافر كاملة على غير هذه الأرض، فلا يجوز لنا أن نحزم باستحالة وجود مخلوقات أخرى على الكواكب لها صفات تختلف عن صفات الإنسان هذه الأرض.
إنما يُجيز المنطق إن لم يُحتمَّ على الباحث ألا ينفي وجود كائنات أخرى غيرنا على الكواكب ما دام الكون يشمل ملايين الكواكب السيارة، وما دام بين هذه الكواكب حتماً ما تسمح معه الظروف الطبيعية بإمكان وجود نوع من الحياة يشبه حياتنا، أو نوع آخر من الحياة يختلف عنها؛ على أن المنطق يدلنا أيضاً أنه لا يجوز لنا أن نعتقد بوجود أوجه شبه شديدة بيننا وبين هذه المخلوقات. وإذا كانت الأحوال الطبيعية الملائمة على سطح الأرض رغم تقاربها لم تكن كافية ليظهر في نوع الإنسان رجال من شكل واحد، فما أبلغ الفارق عندما تختلف الأحول الطبيعية بين ما في الأرض وما في غيرها من الكواكب وبالتالي بين سكان الأرض وغيرنا من الأحياء خارجاً عنها؟، وإذا كان الرجل الجاري أو الصبي الذي تنسم نسيم جاوه أو الصين يختلف كثيراً عن الرجل المصري أو العراقي الذي يتنسم نسيم مصر أو العراق، والذي تذوَّق ماء النيل أو الُفرات، ويختلف هذا وذاك عن الفرنسي مثلاً، فما عسى أن يكون الفارق إن تحقق لنا ما يكون عليه مخلوق راق يعيش في كوكب آخر