مندفعاً ليجلب لها قرص (أسبرين) من صيدلية، ولكنه لا يحس بنفسه إلا وهو في مفترق الطرق حيث سيارات تمر وعربات تجري وترام قادم، فيجري ويغيب على الدنيا، ويصحو ليجد نفسه في المستشفى وسنية إلى جواره. ويشعر بألم في طرق قدمه اليمنى فيلق نظرة فلا يجد سوى قدم واحدة، أما الأخرى فقد بترت. وتتغير العلاقة بين سنية ومنير، فسنية ترى أنها مسؤولة عما أصاب ابن عمها منير، ويزيح منها إحساس العطف والحدب كبرياءها فتنكشف لها ما تكنه له من حب في أعماقها. غير أن منير يحمل هذا الحب على شفقتها عليه فلا يشجعها في حبها له ويميل عنها، وإن كان في صميمه يميل إليها. وهكذا يتغير الموقف في القصة. وفي هذا التغيير الذي أحدثه الكاتب ما يدل على براعة فنية غير أن منير تحت تأثير كبريائه يحاول أن ينسى سنية. وينساها بالانغمار في شخصية وجيدة التي تحدب عليه وتعطف. ويسافر منير مع وجيدة إلى باريس ليكمل علومه، وهنا يعقد عليها زواجه تحت تأثير ثورة من ثورات كبريائه أمام حب سنية له التي كتبت إليه تشكو تباريح غرامها له. والقصة في جزئها الأخير تفقد اتزانها وتناظرها الفكري، إذ تزيح وجيدة شخصية سنية من جو القصة وتحتلها؛ ولو كان الكاتب أتخذ من وجيدة شخصية عارضة تجيء لتحدث التواؤم بين منير وسنية، حيث ينزاح عن منير كبريائه وعن سنية شعورها بالمسؤولية فيما أصابه، ويبدو حبهما لبعض خالصاً، فإن القصة كانت تتخذ وصفاً أدق للكمال؛ ومن هنا يمكن اعتبار استهلال القصة أبرع ما فيها من جهة الفكرة المتسقة المسيطرة عليها.
وفي القصة مفارقات عجيبة، فبينما تجد أن شخصيتي منير وسنية متميزتان، تجد شخصية وجيدة عادية، رغم ما حاول الكاتب أن يبسطه عليها من الإبهام. وهي برغم عادية شخصيتها ترتبط بشخص منير المتميز الذي ينفصل عن شخصية سنية المتميزة. ولا شك أن هذه المفارقة نتيجة ميل المؤلف مع الفكرة الرومانتيكية حيث الخروج على القواعد الكلاسيكية في القصة. كما وأنه من الملاحظ على شخصية منير اضطرابها وضعفها، فهو لا يقدر على إثارة حب المرأة له إلا عن طريق إثارة شفقتها عليه، وهو في الوقت نفسه ثائر لكبريائه، وفي هذا الاضطراب تقوم شخصيته التي تخلق أعمال القصة بالتداخل مع الشخوص التي تقابله. غير أن الكاتب تمكن من إيجاد الموازنة بين شخصية منير