للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حدثني بالله! ألا ترى في النظر إلى هذه الأجسام القوية الفتية متعة للنفس وللحس، بعد الذي شاهدته من تلك الأجساد المترهلة ومن تلك البطون الناتئة، والمبات المترامية على الصدور، والأقفاء المطوية في ثنايا عديدة، مديدة والسيقان الغلاظ التي لا تستطيع المضي ميلا أو بعض ميل. ألا أن عيوننا لتقذى برؤية هؤلاء الأسبوع كله. فلينعم طرفنا اليوم بمنظر الصحة الدافقة والقوة الباهرة. . بعد هذا فلتضف فصلا جديدا إلى كتاب الفتوة، فصلا تبنيه على المشاهدة والعيان إلا على الأخبار والأقوال. . .

إن الرياضة قد أدبت هؤلاء الفتيان فأحسنت تأديبهم. . . أنظر إليهم كيف تركوا ضيوفهم يسبقونهم إلى الملعب. وفي إثرهم ينزل أصحاب الدار على مهل، كأنما يمشون على استحياء. وهم على هذا كله خصوم، ستدور بينهم معركة لا هوادة فيها ولا لين. ولا محاباة فيها ولا مداراة: معركة سيبوء فيها الضعيف بالخزي والخسران، ويرقى النصر بالمنتصرين إلى أعلى مراتب السمو.

هذه المعركة هي بيت القصيد. وإن في صورها العديدة لما ينشرح له الصدور وتطمئن القلوب. . . فها هنا معركة تنشب بين فريقين قد تكافأ في العدة، وتماثلا في العدد. فلن يكون الفوز فيها إلا للجد والجلد، للبراعة والأقدام. . . ونحن في عالم طالما نشهد فيه تألب الأقوياء على الضعفاء، وطغيان جيوش الظلم على جنود الحق. . واستبداد الكثرة الغاشمة التي تزهى بعدتها وعديّدها، ويحلو لها أن تمعن في الجور وتسرف في العدوان. فما أسعدنا اليوم إذ نتناسى ذكر هؤلاء حينا، لكي تنعم أبصارنا بشهود معركة نظيفة بريئة بين أكفاء وأنداد. .

أجل، وانك لتهتز طربا إذ ترى هذه المعركة تدور رحاها بين يديك في وضح النهار. معركة ليس فيها خفاء ولا لبس. الميدان كله أمام أعينا - من أدناه إلى أقصاه - نتأمل كل ما يجري فيه ولا يخفى علينا من أمره شيء. . . فلننس الآن - ونحن ننظر إلى هذه الحرب الطاهرة - تلك المعارك الغريبة المريبة، التي تدبر في الخفاء وتنمو في الظلام. وتنصب فيها الحبائل، ويشتد فيها الكيد، ويتناسى فيها الشرف. وتحنث فيها الإيمان، وتخان فيها العهود. والتي لا يحلو فيها الطعن إلى على غرة، ولا يتحارب فيها إلا بأسلحة الجبن. . . هذه - ويا للأسف! - معارك قد امتلأت بها حياة الناس فلنستعن على نسيانها الساعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>