للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الرئيس: سبحان الله يا إدوارد بك! ألا تعلم أني إذا عاونته على ابتياع بنطلون جديد أكون قد غيرت معالمه وأبدلت شكله؟ وأظن الرئيس يقصد باستصحاب الفقراء إلى مطاعم الأغنياء ليقول لهؤلاء بلسان الحال إنه لا قيمة لما تتعاظمون به من البذْل، وأن الفقير قد يشاطرهم هناءهم ببذل عَرَض قليل.

وعقل رئيس البعكوكة، والحق يقال، ليس من العقول المحدودة، بل عقله مبتكر مبتدع، فقد أصدر في صباه ثلاث جرائد في وقت واحد بأسماء مختلفة، ومديرين ومحررين مختلفين، جعلها كلها لمقاومة الاحتلال، وأقام لها كتاباً ومراسلين ومحررين، وكان يصدرها في أوقات مختلفة. وليس لها كلها إدارة غير جيب الرئيس وقمطره يكتبها أو أكثرها، وينشرها على أنها ثلاث جرائد مختلفة الوضع والطبع، متحدة المنزع والغاية. ولم تُكشف هذه اللعبة إلا بعد مدة طويلة. وله من هذه الألعاب أشياء تَسر ولا تَضر يَضحك منها ويُضحك.

كان الشيخ طاهر الجزائري كثيراً ما يحدثنا بأخبار الدكتور حسين عودة نزيل صيدا، يُلقيها علينا ممزوجة بهزل وغير خالية من جد. فامتلأت الرؤوس بأخبار صاحبه، وود كل واحد منا لو يطير إلى صيدا فيتعرف إلى هذا الطبيب. وما كتب لأحد من جماعتنا أن يقوم بهذا الغرض قبل صاحب هذه المفكرات. فإني قصدت إلى صيدا لألقي فيها جامعَ شتات الفضائل بلدَّينا حسين عودة، فأبلَّ غليلَ شوقي إلى رؤيته.

وأريد أن يُعرْف من هو الدكتور عودة. ولد الدكتور في دمشق، والتحق في صباه بمدرسة القصر العيني في القاهرة لأخذ الطب، فرسب لشدة ذكائه عدة سنين، وما زال يرسب في صَفِّه حتى جاء مصر الأمير عبد القادر الحسني الجزائري يوم فتح قسم من ترعة السويس سنة ١٨٦٣. وقد رجاه أهل حسين عودة أن يكلم الخديوي إسماعيل ليسهل على أبنهم أخذ شهادة الطب. فصدر الأمر بمنحه شهادته فأغتبط وأختار السكنى في صيدا زاهداً في سكنى بلدته الأصلية لئلا يكون موضع سخرية عند الهزالين من أهل دمشق، لأن خلقته وقيافته تضحكان حقيقة، فهو مجدور، في عينه شتر، وفي رجله عرج. ووفاء لمدرسته لم يرض أن يخلع بزتها طول عمره؛ فكان إذا بلى المعطف، وقد كتب على أزراره (تلميذ القصر العيني) أوصى على معطف جديد من نمطه، وذلك كل عشر سنين مرة، ورفع الأزرار عن المعطف القديم، وأناطها بالبذلة الجديدة، يذكر الناس بأنه خريج كريم، من ذلك المعهد

<<  <  ج:
ص:  >  >>