من الذين يحبونه ويتخذونه صناعة أو لهوا حتى أوجد لهذه البيئة أخلاقها الخاصة وعواطفها الخاصة ولغتها وأساليبها في الحسن والشعور ومذاهبها في التعبير والتصوير.
ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد بل تجاوزه إلى شيء عظيم الخطر حقا، لست أدري أنافع هو أم ضار، ولكن من الذي يستطيع أن يقيد العقل والخيال بما ينفع أو بما يضر. وإذا كان الرقي العلمي قد انتهى بالناس إلى حيث يتنافسون الآن في اختراع أدوات الموت والتدمير وما يمحو الحضارة محوا ويرد الإنسان إلى شر ما عرف من أطوار الوحشية، فما الذي يمنع الرقي العلمي من أن يدفع بالطيران إلى ما يفسد العلم إفسادا ويجعله أداة من أدوات الشعوذة والتضليل؟
لست ادري أعرفت إن كاتباً فرنسيا شابا هو الأديب ملرو قد مر بمصر منذ أسابيع، فقد طار هذا الشاب من مصر إلى غرض لم يرد أن يعينه، ولأمر لم يرد ان يدل عليه، ثم أصبحنا اليوم وإذا الصحف تنشر رسائل برقية تنبئ بأن هذا الكاتب الشاب قد طار إلى بلاد العرب وتغلغل في أحشائها، ولكن من فوق، لأن أحشاء البلاد العربية خطرة تهضم الذين يقتحمونها هضما. قالت الرسائل البرقية إن هذا الكاتب الشاب قد استكشف شيئا عجيبا وطار فوق أخطار جسام، استكشف مدينة سبأ التي تحدثت عنها التوراة وتحدث عنها القرآن وامتلأت بأنبائها كتب التاريخ والأساطير، وليس من شك في أننا سنقرأ تفصيلا واسعاً لهذا الاستكشاف، ولكن الشيء الذي لا اشك فيه هو أننا سنقرأ كتابا لهذا الأديب الشاب عن مدينة سبأ هذه. وسيكون هذا الكتاب من أقوم الكتب الأدبية، وسيكون على كل حال من أروجها أكثرها انتشارا، ولن يكون حظه من الرواج والانتشار أقل من حظ القصة التي وضعها الكاتب الفرنسي بييربنوا وسماها الأطلنطيد والتي فتحت لصاحبها أبواباً ثلاثة: باب الثروة وباب الشهرة وباب المجمع اللغوي. سمع بييربنوا بأحاديث القارة الموهومة اتلنتيس وسمع باستكشافات الجغرافيين للصحراء الكبرى، فزعم ان صاحبه قد ذهب يستكشف فانتهى إلى بقية من هذه القارة، ولقي هناك الملكة انتنيا من سلالة نبتون إله البحر. ثم وصف شخصها وقصرها وبيئتها وصفا رائعا عجيبا، وسمع الكاتب الشاب ملرو أحاديث سبأ وقصة بلقيس، وسمع أحاديث المستكشفين الذين يتجشمون الأهوال لاستكشاف البلاد العربية. ووجد الطيارة فطار مستكشفاً، والله يعلم هل عبر البحر إلى بلاد العرب،