وهل وصل إلى طرف من أطراف الربع الخالي حقا. ولكن مما لا شك فيه أنه وجد مدينة سبأ، ومن يدري لعله رأى ملكتها، وتحدث إليها ولو بالإشارة من طيارته، ولعل الملكة أن تكون قد شغفت به، ولعله هو أن يكون قد فتن بما رأى من حسنها البارع. ولعله قد انصرف عنها بعد أن ألقى إليها بقلبه من أعلى الجو، فهو مضطر إلى أن يعود إليها ليلتمس قلبه هناك حيث ألقاه في ذلك القصر الممرد من قوارير، والذي يقوم في تلك المدينة العظيمة التي ترتفع أسوارها الشاهقة في طرف من أطراف الربع الخالي. وسيكون حظ هذه القصة المنتظرة كحظ تلك القصة التي فرضت بييربنوا على الأدب الفرنسي فرضا.
رأيت أن بييربنوا قد استغل الاستكشاف العلمي للصحراء فدل الناس على بقية القارة المفقودة، وأن ملرو قد استغل الاستكشاف الجغرافي والطيارة، وسيدل الناس على ما بقى من ملك السبئيين.
أما بعد فإنا نبحث منذ قرون عن مدينة ضائعة في الصحراء يقال أنها تنتقل من مكان إلى مكان يحسبها بعضهم من الذهب والفضة، ويحسبها بعضهم من النحاس والحديد. وهي إرم ذات العماد. ويقول بعضهم أنها ليست إلا هرما من هذه الأهرام التي تقوم في الجيزة، والتي تستكشف من حولها المقابر والتماثيل والأدوات المختلفة. ولدينا طيارون، ولدينا طيارات. فهل نستطيع أن ننتظر من أديب من أدبائنا وليكن صديقنا عبد العزيز البشري أن يطير مع بعض شبابنا البارعين في هذا الفن لعله ان يعثر - إن أمكن أن يعثر الناس في الجو - بهذه المدينة القديمة العظيمة إرم ذات العماد؟ وليس عليه بأس إن لم يجدها أن يخترعها اختراعا وأن يزعم لنا انه وجدها كما فعل بييربنوا وكما سيفعل ملرو. وليس ينبغي أن نخاف من صديقنا عوض وأصحابه الجغرافيين فان الكاتبين الفرنسيين لم يحفلا بأعلام الجغرافيا في السوربون.