للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يطبقون هذا على الإحسان ويرون أنه رذيلة لا فضيلة، وأن العجزة ومن إليهم لا يستحقون هذه العناية، إنما العناية يجب أن تتجه إلى الأقوياء وإلى خير العناصر، ويجب أن ينتخب من المجتمع خيره وأقوه، فنوجه إليه العناية ونأخذ بيده، وبعد أجيال سيفنى الضعفاء ويبقى الأقوياء فيسعد مجتمعهم - نفعل في ذلك ما نفعل بالزهور والأشجار، نهمل الذابل والضعيف فيفنى، ونستولد القوي الجيد فيبقى إلى آخر ما قالوا. ومن حسن الحظ لم تلق نظريته هو وأمثاله نجاحا، فإنها نظرية تقضي على خير ما في الإنسان من عاطفة نبيلة نحو الناس، وكيف يقضى على العجزة والفقراء ونظام الحياة يخلق منهم كل يوم خلقاً جديداً وجيشاً كبيراً لو لم يُعْن به لاكتسح الأغنياء، ولثار ثورة لا يعلم مداها إلا الله.

إنما كتب النجاح لقوم آخرين من الأدباء والعلماء لم يحاولوا أن يمنعوا الإحسان، ولكن حاولوا أن ينظموه، لم يشكوا في قيمته، ولكنهم آمنوا بضرر فوضاه، واستعانوا بما وصل إليه العلم كما استعانوا بمنهاج البحث الجديد، فدرسوا الفقر وأسبابه وطرق الإحسان وما يتلاقى منه مع أسباب الفقر وما لا يتلاقى، ووفقوا في ذلك إلى حد كبير وان لم يصلوا إلى الغاية، وعلى ضوء هذه الدراسة سنت القوانين وأنشئت النظم، وظلت قوانين تنظم والنظم تعدل، حسب مقتضيات الأحوال إلى اليوم.

فمن أشهر القوانين القانون الإنجليزي للفقراء الذي وضع سنة ١٦٠١ ونقح سنة ١٨٣٤ والتزمت فيه الحكومة بمساعدة الفقراء والعاطلين

ومن أشهر النظم المعروفة نظام (همبرج) الذي وضع للفقراء والعاطلين، وهو يتلخص في تأسيس مكتب رئيسي في المدينة للنظر في شؤون الفقراء وتنظيم الإحسان وتقسيم المدينة إلى أقسام، وتعيين مشرف على الفقراء في كل قسم وظيفته إعانة العاطلين على وجود عمل لهم، ودراسة أسباب الفقر في الأسر ووصف العلاج لها، وإنشاء مدارس صناعية لأولاد الفقراء ومستشفيات لمرضاهم، ويقضي بمنع الإحسان يداً بيد إلى الفقراء، إنما يعطى الإحسان لهذه الجمعية، فهي أدرى بطرق إنفاقه - وكان من أثر هذا النظام قلة عدد الفقراء وتنظيم معيشتهم، وقد أدخلت عليه تعديلات قليلة ثم عمم في مدن كثيرة في أوربا.

ونشأت في أمريكا جمعيات على هذا النظام وسعت بعض أغراضها - من ذلك أنها رأت أن أكبر مساعدة ليس إعطاء المال للفقراء ولكن إيجاد العمل لهم، كما جعلت من أهمم

<<  <  ج:
ص:  >  >>