للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أغراضها ترقية المعيشة الاجتماعية في منازل الفقراء والعناية بحالتهم الصحية، وبتعويدهم العادات الصالحة للعيش، ووجهت أكبر همها إلى العناية بأطفال الفقراء حتى لا ينشئوا كآبائهم، فكان لدى الجمعيات سجل للفقراء والعاطلين في كل حي، ومجمل عن سبب فقر كل أسرة وحالتها وما بذل من العناية لها، والاتجاه الذي اتجهوه في معالجتها، وبذلك أسس الإحسان على الأسس العلمية.

لعل أهم ما حدث من الانقلاب في تصور الإحسان أنه كان يفكي في عده فضيلة أن يخرج الإنسان عن شيء من ماله أو جهده ابتغاء ثواب الله، لا يبالي بعد ذلك أين وقع ماله: أعلى غني وقع أم على فقير، أكان فيه صلاح للفقير أم إفساد له؟ فيكفي أن يجود بقرش ليحسب له عند الله عشرة أو مائة، فجاءت الدعوة الحديثة تطلب أن ينظر في الإحسان إلى المحسن إليه لا إلى المحسن، فليس من العمل الصالح في شيء أن تعطي حسبما اتفق، بل يجب أن يكون عطاؤك لإصلاح الهيئة الاجتماعية التي أنت فيها، ولا يكون ثوابا عند الله إلا إذا نظر فيه هذا النظر، ولا يعد فضيلة حتى يكون القرش الذي يعطى يقصد فيه رفع مستوى الأمة، فإذا كان الإحسان يزيد حال الأمة سوءا عد رذيلة لا فضيلة، وعد من أتى به مجرما لا محسنا، وبعبارة أخرى أن هذا النظر الحديث يتطلب أن يشعر المحسن بالتبعة أو المسئولية، فمسئولية المحسن أن يعطي الفقراء وأن يتساءل عن إعطائه هل أفاد من أحسن اليه؟ وهل أفاد الأمة بعمله أو لم يفد؟

كان لهذا النظر نتائج لها قيمتها - منها تحريم الإحسان الفردي، وهو أن تكون علاقة المحسن بالفقير علاقة مباشرة، وإنما يجب أن توسط في ذلك الجمعيات والهيئات التي عرفت حالة الفقراء ودرست شؤونهم، واهتدت عن طريق دراستها إلى نوع ما يصلح لهم، فمن شاء الإحسان فعليه أن يتبرع لهذه الجمعيات وهي التي تتولى الإنفاق - ومنها تحريم التسول في الشوارع والطرق، لأن المتسول لم يثبت للجمعيات صحة دعواه وعلة فقره. إن كان وليس التسول حرفة مشروعة، ولكن إذا أثبت عدم صلاحيته للعمل وعجزه عن العيش وجب على الأمة إعانته، والجمعيات أقدر على تعرف هذا - وكان من مقتضى هذا النظر أيضا أن الهيئات التي وكل إليها هذا الأمر لا يصح أن تكتفي بإعطاء المال إلى الفقراء، بل يجب أن تعالج الأمر بشتى الوسائل حسب حالة كل فقير. فمن كان سبب فقره أن لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>