عمل له مع قدرته سعت له في إيجاد عمل، ومن كان سبب فقره مرضه عالجته، ومن كان سبب فقره إدمان مخدرات أو سوء عادات نظرت في وسائل إصلاحه، كذلك أهم عمل تعمله أن ترعى أبناء الفقراء حتى لا يكونوا فقراء المستقبل. فتنشئ لهم المدارس لا ليتعلموا فيها تعلما نظريا لا يسمن ولا يغني من جوع، ولكن تعلما صناعيا يبعث فيهم روح الاعتماد على النفس، ويفتح لهم السبل لتحصيل العيش - بهذا وأمثاله عولج الفقر في أوربا وأمريكا، فان كان بعد ذلك عاطلون لم يكن سبب عطلهم راجعا إليهم، وإنما يعود إلى نظام العمل والعمال وسوء الحالة العامة، وجب أن تضمن الحكومات لهم ما يقيم أودهم حتى يعودوا إلى عملهم.
ونحن إذا نظرنا - في ضوء هذه النظريات وكيف طبقت - إلى حالة الشرق وجدنا عجبا، وجدناه لا يزال على حالته الأولية، سواء في ذلك أغراض المحسنين أو تطبيق الإحسان.
لدى الشرق أموال كثيرة تبرع بها أهلها للخير، لدينا أموال الأوقاف الخيرية، ولدينا أموال النذور، ولدينا تبرعات المحسنين، إلى كثير من أمثال ذلك، ولكن أكثرها لا يقع موقعا حسنا عند الله وعند الأمة، وكأنه يصب في البحر صبا أو يدفن في الأرض دفنا، على أن المال الذي يدفن أو يلقى في البحر ليس له من الضرر أكثر من فقده، ولكن ضرر الإنفاق على غير مستحق يزيد الأمم بلاء والحال سوءا
وأهم ما استوجب هذه الحالة الأسيفة في نظري شيئان - أولهما - احترام إرادة الواقف والمتبرع. فالفقهاء يرون أن شرط الواقف كنص الشارع، والواقف لا يعلم تطور الأمة ولا مطالبها ولا حاجاتها التي تختلف باختلاف الزمان - قد كان كثير من الواقفين لا يفهمون فمن وجوه البر إلا الوقف على الحرمين والمساجد والتكايا والتصدق بالخبز على المقابر، فأصبح الناس اليوم يفهمون أن من وجوه البر كذلك إنشاء المستشفيات والمدارس والملاجئ، وسيفهمون قريبا أن من وجوه البر إعانة جمعيات التأليف وإعانة الفلاحين ليحصلوا على الماء النقي، وليستضيئوا بالنور الكهربائي، وسيجدّ غير ذلك من ضروب الخير، وسيرون أن الوقف على مسجد إذا كان المسجد قد وُقف عليه من قبل ما يكفيه ليس وجها من وجوه الخير، وسيرون ان أموال النذور تلقى في صناديق الأضرحة ليست تنفق على المعوزين والمحتاجين، فليس التبرع بها إحسانا.