للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان الواجب من عهد بعيد أن تحترم إرادة الواقف والمتبرع في رغبته في الخير فقط، ولكنا لا نحترمها في وجوه الخير التي يراها هو إذا رأينا أنها ضارة أو رأينا أن الأمة أحوج إلى الصرف في وجوه أخرى - رحم الله حسن باشا عاصم، فقد كان له موقف في ذلك من أبدع المواقف - تبرع محسن ببناء مدرسة، ووقف عليها الأوقاف التي تلزمها، وأتبعها للجمعية الخيرية الإسلامية، وكان حسن عاصم مديراً للمدارس ثم أراد الواقف أن يدخل ابنه في المدرسة، وكانت سنة تزيد على السن المقررة شهوراً، فأبى عليه ذلك وقال: انه تبرع بمدرسة فله الشكر، ووقف عليها أوقافا فله من الله الأجر، ولكنه يريد أن يبطل قوانيننا فليس له في ذلك حق.

قد يكون من المعقول أن نقبل إرادة الواقف في أوقافه الأهلية. أما الخيرية فيجب أن تخضع كل الخضوع لمصلحة الأمة. لا أظن الواقفين إذا بعثوا من قبورهم ورأوا تطورات الأمم إلا مؤيدينا في رأينا وراجعين عن رأيهم. والأمر الثاني وهو متصل بالأول، أن أموال الخير تصرف حسبما اتفق لا خضوعا لدراسة اجتماعية ولا تحريا لوجه الإنفاق ولا للمنفق عليهم، فكيراً ما يحرم البائس المحتاج ويعطى الغني المبذر، وكثرا ما يحرم العائل لا يجد قوته وعياله، ويعطى المدمن ينفقها في كيوفه

ان فوضى الإحسان في الشرق سبب من أسباب شقائه، ولو نظمت لكانت من أكبر العوامل في نهوضه وصلاحه

لا أمل في هذا الإصلاح حتى ينشط رجال الأمة وشبانها للخدمة العامة، وان يمتلئوا عقيدة بضرورة المساهمة في الإحسان بالمال وبالنشاط، وأن يطالبوا مطالبة حارة بتنظيم الإحسان حتى يؤدي غرضه على أكمل وجه مستطاع، إذن لرأينا البؤس في الأمة يتضاءل إلى حد كبير، ويحل محلة كثير من الرخاء، ولرأينا المال - الذي يضيع في الشرق سدى - وقد أصبح دعامة للإصلاح، وسببا من أكبر أسباب النهضة الحديثة.

احمد أمين

<<  <  ج:
ص:  >  >>