للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غامضة. وقد استطاعت الحكومة ومن ورائها القوى المحافظة أن تخرج من هذا الصراع ظافرة، وأن تقضي - مؤقتا عل الأقل - على الديمقراطية الاشتراكية النمسوية. ولكن ماذا سيكون بعد هذا الظفر وبعد اختفاء الديمقراطية الاشتراكية من ميدان كان لها فيه منذ قيام الجمهورية النمسوية أيما شان؟ لقد كانت الديمقراطية الاشتراكية سند حكومة الدكتور دولفوس في نضالها ضد الخطر الهتلري، فالآن وقد حطمت هذه القوة، فان مهمة الدكتور دولفوس تغدو أصعب وأشق. بيد أنه يصعب علينا أن نقول اليوم كلمة حاسمة في نتائج هذه المعركة. وسنحاول في هذا البحث أن نستعرض تاريخ الجمهورية النمسوية منذ قيامها، وأن نشرح العوامل والظروف الداخلية والخارجية التي تقلبت فيها، والقوى السياسية والاجتماعية التي تتجاذبها، والاتجاهات المختلفة التي تسيرها في ميدان السياسة الدولية.

قامت الجمهورية النمسوية في الثاني عشر من نوفمبر سنة ١٩١٨، على أنقاض البقية الباقية من إمبراطورية النمسا والمجر القديمة، وكانت إمبراطورية النمسا والمجر تسير قبل ذلك بعامين أو ثلاثة في سبيل الانحلال والتفكك. وكان الإمبراطور الشيخ فرانز يوسف الذي سهر على وحدتها ومصايرها نحو سبعين عاما قد توفى في نوفمبر سنة ١٩١٦، والحرب الكبرى في إبان اضطرامها والإمبراطورية القديمة تواجه أخطار الهزيمة والتفكك؛ فخلفه حفيد أخيه الأرشيدوق كارل؛ ولم تمض أشهر قلائل حتى أخذت بوادر الإعياء والهزيمة تبدو قوية على الجيش الإمبراطوري. وأخذت القوميات والأجناس القديمة التي تتألف منها الإمبراطورية أعني المجر والتشك والسلوفاك والبولونيين والصربيين والرومانيين، تتحرك في سبيل التحرر والاستقلال. وفي أكتوبر سنة ١٩١٨، أعلنت تشيكوسلوفاكيا نفسها بمؤازرة الحلفاء جمهورية مستقلة برئاسة الدكتور مازاريك؛ وفي نفس الوقت أعلن الصرب والكروات خلع الإمبراطور كارل، ونادوا بأنفسهم مملكة مستقلة هي مملكة الصرب والكروات والسلوفين، أو مملكة يوجوسلافيا وملكها بطرس الأول ملك صربيا. وقامت خلال ذلك ثورة في بودابست، وأعلنت المجر انفصالها عن الإمبراطورية وقيامها دولة حرة مستقلة. وبذلك انتهت إمبراطورية آل هبسبرج القديمة. وفي أوائل نوفمبر ثارت مدينة فينا بدورها وطالبت الجموع بإقامة الحكم الديمقراطي، فلم ير

<<  <  ج:
ص:  >  >>