الإمبراطور كارل سوى التنازل عن عرشه والانسحاب؛ وأعلن قيام الجمهورية النمسوية في ١٢ نوفمبر؛ واجتمعت في الثالث عشر جمعية وطنية تولت مقاليد الحكم، وانتدبت حكومة مؤقتة على رأسها الدكتور رنر الزعيم الاشتراكي، ودخلت النمسا في طور جديد من تاريخها.
ويقرر الدستور النمسوي الجديد الذي بدئ بتنفيذه في نوفمبر سنة ١٩٢٠ أن النمسا جمهورية اتحادية تتكون من ثمان ولايات والعاصمة فينا. وهذه الولايات هي النمسا السفلى والنمسا العليا، وسالتسبورج، وستريا، وكارنتيا، والتيرول، وفورا لبرج وبور جنلند. ونظام الحكم نيابي ديمقراطي، قوامه جمعية وطنية هي (الناسيونال رات) وتؤلف بالانتخاب العام، وتتولى التشريع؛ ومجلس الاتحاد (البند سرات) وينتخب من أعضاء المجالس الاتحادية، وسلطاته استشارية فقط، وينص الدستور على إلغاء جميع الامتيازات والألقاب الخاصة وعلى ضمان الحرية الدينية، وعلى المساواة المطلقة في الحقوق والواجبات بين جميع السكان. وللجمهورية رئيس ينتخب لمدة أربعة أعوام ولا يجدد انتخابه أكثر من مرة. ويبلغ سكان النمسا نحو ستة ملايين ونصف
وقد حددت علائق الجمهورية الجديدة بدول الحلفاء، ومركزها الدولي بمعاهدة سان جرمان التي عقدت في سبتمبر سنة ١٩١٩. وكانت النمسا تريد يومئذ بعد أن فصلت عن باقي أجزاء الإمبراطورية القديمة أن تنضم إلى ألمانيا؛ ولكن الحلفاء عارضوا في ذلك أشد المعارضة. ونصت المعاهدة على اقتطاع جزء من التيرول النمسوي وضمه إلى إيطاليا، وعلى اقتطاع بوهيميا الألمانية وضمها إلى تشيكوسلوفاكيا ونصت على تنازل النمسا عن جميع حقوقها في مصر ومراكش والصين؛ وحددت عدد الجيش النمسوي بثلاثين ألفا ووضعت قيودا شديدة على التسليح الجوي؛ ونصت على حماية الأقليات، وعلى إلزام النمسا بنصيب من تعويضات الحرب.
بدأت النمسا حياتها الجديدة في غمار من الصعاب، وكانت النظم الاجتماعية والاقتصادية القديمة قد انهارت وساد الانحلال واليأس جميع الطبقات والأفراد، فكان على النمسا الجمهورية أن تخلق لنفسها حياة اجتماعية واقتصادية جديدة، وأن تبرز من أنقاض الماضي المجيد إلى ميدان الكفاح الشاق. وكانت الكتلة الديموقراطية الاشتراكية هي صاحبة الكلمة