وبعد السكر يناجي الخيام بمثل ما عاوده في حياته، وفي هذه النجوى صعود شاعر:
صرخت آلامه في كوبه ... فهوى يثأر من آلامه
إنما البعث الذي تشدو به ... يقظة المفجوع في أحلامه!
لله ما أروع هذا البعث؟ ولكن حسبه تعزيه:
. . . . . . . . . أنا سنحيا ... في غد، مثل حياة الزهر
وسنطوي الأبد المجهول طيا ... بُعددَ الأطياف شتىَّ الصور
حسبها تعزية أن نحملها ... بأناشيد الصباح المنتظر
ونشق الأرض عن وجه السما ... حيث نور الشمس أو ضوء القمر
ربما جددَّ أو هاج لنا ... نبأً، أو قصةً من حبنا
نوح ورفاء، أرنَّت حولنا ... أو صدى قبره مرت بنا
في الديوان شعر كثير، وخطوات تدل على قلب شاعر: وللشاعر قدرة عظيمة بنقل الحوادث الخاصة بروح إنسانية كما فعل في قصيدة (مصرع الربان). ولعل بين هذا الربان وهذا الملاح نسباً. هذا الربان هو الكابتن (ماكيج جونس) ربان حاملة الطائرات كوراجيوس التي أغرقتها غواصة ألمانية في بدء الحرب الحاضرة، فآثر الموت غريقاً مع سفينته على الحياة بعدها. ولما بلغ الماء هامته، ألقى بقبعته على الموج إجلالاً للموت وإكباراً للبحر الذي حمله حياً وضمه ميتًا! ولم يجد الشاعر في هذه الحادثة مهرباً من وصف ذلك العدو الخافي المقاتل. . . وهو وصف دانٍ جداً من وصف شوقي للغواصة. وما أدنى المشابهة حين يقول:
رماك في جنبات اليم محترب ... خافي المقاتل عند الروع فرار
ترصدتك مراميه ولو وقعت ... عليه عيناك لم تنقذه أقدار
وأبدعْ بتلك الصورة التي خلدها الشاعر
وغاب كل مشيدٍ غير قبعة ... ذكرى من الشرف العالي وتذكار
ألقيتها، فتلقَّى الموج معقدها ... كما تلقَّي جبين الفاتح الغار
وهذه قصيدة وليدة البحر، لو لم يقع عليها الملاح التائه أثناء تطوافه لم يلقها، لكن الباعث عليها يختلف عن جملة البواعث الأخرى، لأنه باعث الحياة التي تهتز بانفجار، وتأبى