بالحقيقة ويسألها المغفرة. . . ولا هذا استطاع لأنه أشفق من أن يأخذهاالارتياع فتنفر من خداعه. أو تيأس منه فينصرف قلبها عنه. واشتدت به الحيرة وساورته الهموم وتشتت عقله بين شعاب مظلمة. وما فتئ يماطل ويسوف. وما يدري كيف يوفق بين هواه الجامع وظروفه القاسية. . . حتى تبرعت المصادفات بالحل الموفق
وكان اليوم الجمعة وقد عاد إلى بيته - وكان يساكن حماه - في الساعة الرابعة مساء. وكان يترنم بأغنية بصوت خافت متناسياً أشجان قلبه إلى حين، وفتح باب شقته في هدوء وهم بالدخول، فوجد نفسه وجهاً لوجه مع الآنسة درية. وخفق قلبه خفقه شديد انخلعت لها ضلوعه، وصاح وهو لا يدري:(أنتِ) ولم تكن أقل منه دهشة، فرددت قوله:(أنتَ) وعند ذاك فقط أدرك أن زوجه تقف إلى جانبها، وإلى يمينها أخوها الصغير (توتو) ممسكاً في يده بكراسة. . . ومرت به لحظة رهيبة أحس بأن الأرض تميد به، ولفه ذهول قهار، فلم يستطيع أن يكتم عواطفه ولا أن يداري افتضاحه، وكانت الزوجة تراقبها بعينين مرتابتين وقد امتقع وجهها وارتعدت شفتاها، ثم ارتسمت على فمها ابتسامة صفراء وسألت المعلمة قائلة بصوت متهدج:
- هل تعرفين زوجي؟
ولم تدر الفتاة بماذا تجيب، وقد دوت في أذنيها كلمة (زوجي) دوياً مزعجاً، فرددت عينيها بين صابر وزوجه ثانية، ثم خفضت عينيها الزائفتين واستولى عليها اليأس والغضب وانفلتت إلى الباب لا تلوى على شيء، ولم تنبس بكلمة ولم تترك وراءها مكاناً لشك أو ارتياب
وكانت الزوجة تشعر بالفتور الذي اعتور علاقتهما وتتحير في تعرف أسبابه، فعلمت أن لها غريمة وأن غريمتها هي معلمة (توتو) الجديدة، فغضبت غضبة نفست عن صدرها الكظيم. ونمت الفضيحة إلى أمها، فاستفحل الخطب، ولم تنته الليلة حتى حمل صابر حقيبته وعاد إلى بيته وحيداً كئيباً. . . ولكن الله سلم؛ ولم يبخل عليه بالغفران القلب الذي صدقه الحب عشرة أعوام فقفل إلى بيت الزوجية تائباً. وتراه الآن إذا ظهر في الطريق يسير متأنقاً مزهواً كعادته، فإذا وقع بصره على وجه نضير أو قد رشيق ابتسم ابتسامة الزهد والكبرياء. فإذا خطر لأحد من صحبه أن يداعبه أو يتحداه ابتدره قائلاً: (حسبي. . .