وقد مُنِحتُ ذلك الوسام بعد ذلك الوسام بعد تلك الجفوة في سنة ١٩٣٦ فلم أر فيه إلا تحية لرجل يصادق فرنسا صداقة علمية لا سياسية.
ومن كان في مثل وطنيتي فهو فوق الشُّبهات والظنون، والصدق في الوطنية من أشرف الأرزاق
إن الضعيف هو الذي يشْمتُ بالقَويّ حين تزلّ قدماه، فليعرف ذلك من يحس الشماتة بمدينة النور، على عهودها الزواهر أطيب التحيات!
وهل أملك إخفاء حسراتي على ما صارت إليه باريس؟
وهل يستطيع أديبٌ ألمانيُّ أن يُخفى لوعته على مصير تلك المدينة وهو عدوُّ حتى يستطيع أديبُ مصريٌّ أن يخفي لوعته وهو صديق؟
حدثتنا البرقيات أن الجنود الألماني طافوا بشوارع باريس وهي خالية، فأي أديبٍ لا يتفطَّر فيه حُزْناً حين يسمعُ أن شوارع باريس عرفت الهدوء لحظة من زمان؟
هي لفتة من لفتات الدهر الغادر الذي يرى كسوف الشمس وخسوف القمر ضرباً من ضروب المزاح
هي وثبة من وثبات القدر الذي يزلزل الوجود حين يشاء
فمن كانت عنده بقية من الصبر على مكاره الأيام فليتفضل عليَّ بكلمة عزاء لأتناسى أصدقائي في باريس، أصدقاء العهد الجميل يوم كنت طالباً في السوربون، التي صارت اليوم قفراً بياناً لا يطوف بأركانه غير الشامتين من غُلْف القلوب
باسم القوة غُزِيت باريس، وذلك جزاءٌ وِفاق، فليس في باريس مكان إلا وهو نِديُّ للثرى بالدماء المسفوكة في سبيل الحرية، والحرية من أسماء القوة، والرجل الحرُّ لا يرضى الموت بغير السيف، وكذلك تستشهد باريس. فإن استطاع الألمان أن يخمدوا اللهب الذي يتوقد فوق قبر (الجندي المجهول) تحت (قوس النصر) فسيذكرون بعد حين أن تلك الجذوة ستنقلب إلى سعير يفتك بمجامع الأضغان، ويرد الدنيا إلى عهدها القديم يوم كانت دار علوم وآداب وفنون، كما كانت لعهد باريس قبل أن يحولها إلى أشباح لا تملك الجواب بغير الصمت البليغ!
إن لبست باريس أثواب الحداد في سنة ١٩٤٠ فقد ألبست برلين أثواب الحِداد في سنة