١٩١٨. والحروب قُصاص، وكما يَدين الفتى يُدان. وهنيئاً لمن يحمل السيف فينتصر في وقائع وينهزم في وقائع، فما الحياة الحق إلا عراك ونضال وقتال
ومن ظنّ ممن يلاقي الحروب بأنْ لا يصاب فقد ظنّ عجزَا
وهل كفت باريس عن الدعوة إلى الحرب حتى تنكر عواقب الحرب؟
في باريس مئات من التماثيل لعظماء الرجال الذين كافحوا في مختلف الميادين، وفي كل خطوة يخطوها زوّار باريس أثرٌ ينطق بأن مدينة النور لا تعرف الحياة في غير الصراع والصيال، فما جَزَعُك يا باريس وأنت صيرت الحرب من شرائع الوجود؟
إن قوة الألمان فيضٌ من قوتك يا باريس، فأنت غرستِ الحقد في صدورهم، وأنت قهرِتهم على أن يتربصوا بك الدوائر عشرين سنة ليلقَوك بأفئدة موتورة لا يشفي غليلها غير الولوغ في دماء الرجال
فبفضلك استطال الألمان يا باريس ولولا خشيتهم مما تملكين من عظمة وجبَرُوت لما وصلوا في التسلح إلى الحد الذي يسمح بأن يقهروك على إلقاء المقاليد
وانهزامُك يا باريس سيكون درساً لأبناء الجيل الجديد، وبه يعرفون أن لا قيمة للاعتماد على التاريخ، وأن لا قيمة للتمدح بالفضائل الإنسانية، فما زال أبناء حواء يخضعون لفطرتهم القديمة يوم كانوا من جيوش الغريزة قبل أن يصيروا من رجال الوجدان
ألم أشهد العجائب في الأعوام التي قضيتها في السوربون؟
كان شبان فرنسا في ذلك العهد يرون الحرب من بقايا الوحشية، ويَتواصَوْن بأن يكونوا أنصاراً للسلام مما تغلبت الظروف، ثم سمعتُ بعد أن فارقت باريس أن أقطاب فرنسا يختلفون حول فكرة التسلح وأن فيهم من يرى أن ترصد جميع أموال الدولة للمنشآت العمرانية والمدنية
وذلك ذنبك يا باريس، فأنت وثقت باعتدال الموازيين قبل أن تستعد فطرة الإنسان الحيوانية للترحيب باعتدال الموازيين
ولو كانت باريس غير باريس لعرف أهلها أن في الدنيا خلائق تعيش بغرائز موروثة عن العهود التي سبقت التاريخ
إن الورد يعتصم بالشوك، فكيف فات باريس أن تعتصم بالسلاح؟